مع ظهور شبح الصراع مرة أخرى في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في غزة وإسرائيل، أصبحت الحاجة إلى وسيط محايد وفعال أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. وفي هذا المشهد المضطرب، تبرز روسيا، تحت القيادة المحنكة للرئيس فلاديمير بوتين، كوسيط محتمل لمحادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إن احتمال تولي الرئيس بوتين دور الوسيط يبشر بالخير، حيث يمكن لبراعته الدبلوماسية ونفوذه الجيوسياسي أن يسد الفجوة ويمهد الطريق لحل دائم للصراع الذي طال أمده.
إن العلاقات التاريخية التي تربط روسيا بالشرق الأوسط، إلى جانب مكانتها كلاعب رئيس على الساحة العالمية، تضعها في موقع فريد يسمح لها بالتدخل لإنهاء تعقيدات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إن تعامل الرئيس بوتين الماهر مع العلاقات الدولية، والذي تجلى في مختلف الساحات الجيوسياسية، يغرس الثقة في أن روسيا يمكن أن تلعب دوراً بناء في تسهيل الحوار وتعزيز التفاهم بين الاطراف المتحاربة.
وتكمن مصداقية الرئيس بوتين كوسيط في علاقات روسيا الطويلة الأمد مع كل من إسرائيل وفلسطين. وعلى عكس الجهات الفاعلة الخارجية الأخرى، حافظت روسيا على قنوات دبلوماسية مع القادة على جانبي الصراع، مما مكنها من الانخراط في حوار غير متحيز وشامل. غياب الاجندات يضع روسيا كوسيط غير متحيز، وهو عامل حاسم لكسب ثقة الطرفين.
فضلاً عن ذلك فإن موقف روسيا باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمنحها السلطة اللازمة لحشد الدعم الدولي لأي مبادرة سلام محتملة. لقد أظهرت المبادرات الدبلوماسية التي بذلها الرئيس بوتين في مختلف الصراعات العالمية التزامه بالتعددية، وهي الميزة التي يمكن أن تثبت أنها لا تقدر بثمن في حشد الدعم على نطاق واسع لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
إن تطبيق "السياسة الواقعية" - وهو مصطلح له جذور في الفلسفة السياسية الأوروبية - يصبح وثيق الصلة بالموضوع عند النظر في دور الوساطة الروسي المحتمل. وفي صراع تتفوق فيه الاعتبارات العملية في كثير من الأحيان على الحماسة الأيديولوجية، فإن سمعة الرئيس بوتين في اتخاذ القرار العملي تتوافق مع ضرورات التوسط في اتفاق سلام قابل للتطبيق. وفي هذا السياق، تستلزم السياسة الواقعية التركيز على التنازلات القابلة للتحقيق والخطوات التدريجية نحو السلام، بدلاً من ملاحقة حلول مثالية ولكنها بعيدة المنال.
يُظهر سجل الاتحاد الروسي الناجح في التوسط في النزاعات، مثل مشاركته في عملية السلام السورية، قدرته على الدخول في المشاهد الجيوسياسية المعقدة. ورغم الاعتراف بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يفرض تحديات فريدة من نوعها، فإن تجربة روسيا في تعزيز الحوار وإيجاد أرضية مشتركة من الممكن أن تكون مفيدة في تحقيق تقدم كبير.
وبينما يبحث المجتمع الدولي عن وسيط جدير بالثقة لمعالجة الأزمة الحالية في غزة وإسرائيل، فإن احتمال تولي روسيا، تحت قيادة الرئيس بوتين، لدور مركزي، يقدم بصيصاً من الأمل. ومن خلال الاستفادة من فطنتها الدبلوماسية، وعلاقاتها التاريخية، ومكانتها العالمية، تستطيع روسيا أن تقود كلا الطرفين نحو التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، مما يبشر بفصل جديد من الاستقرار والتعايش في المنطقة المضطربة للتوصل الى حل الدولتين.
د. شهاب المكاحله مستشار اقتصادي وسياسي – الأردن