مصدر المعلومات - الدستور
قبل أيام مَعدودات شَهدت روسيا الفيديرالية انعقاد المنتدى الدولي الخامس لمجموعة الرؤية الاستراتيجية (روسيا - العالم الإسلامي)، للمفكّرين والكتّاب والصحفيين والمدوّنين «المسلمين»، في العاصمة الاقتصادية الشمالية سانت بطرسبورغ الغَنّاء، والذي استمر يومي 26 و27 من أيلول، وحضره أكثر من 50 مشاركاً من روسيا والبلدان العربية والإسلامية، يُمثّلون وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث المشهورة عالمياً، وإلى جانبهم شارك خبراء دوليون في مجال المعلوماتية، وعدد من المسؤولين السياسيين رفيعي المستوى من الروس والمسلمين، وكانت صحيفة «الدستور» اليومية حاضرة بقوّة وفاعلةً ومتفاعلة على مستوى رئاسة المنتدى وعناوينه، رجالاته والعلاقات البينية معه وإلى جانب وسائل الإعلام الروسية بضمنه.
ويَهدف المنتدى فيما يَهدف، إلى تعزيز نوعي لمُجمَل الروابط والعلاقات والصِّلات بين العالمين الروسي والإسلامي، وفي إطاره العربي.. وليتم في نقلات واثقة ومتّصلة، إعادة إكساب هذه الأطراف المحتوى التاريخي الإيجابي المزدهر ذاته الذي شهدته الأزمان السابقة بينها، وكذلك استعادة المستوى الإستراتيجي الفِعلي والفَعّال بتعمير العلاقات الجماعية، وتعميق الفهم الانساني لِمَا يشهده العالم من أحداث وتحولات.
إن هذه الأهداف العليا هي لعمري الأكثر رئيسية وأهمية فعلية والتي ستُبنى عليها قواعد جديدة كُبرى وواسعة المساحات، ولكونها تستمد جبروتها من أسانيدها الرسمية والشعبية والطبيعية، وتصب في مصلحة الناطقين بالضاد والسّلافية وأديانهم السماوية، الذين هم في واقع الأمر التاريخي والجيوسياسي، وفي يومياتهم الثقافية والحَضرنية والأدبية والعقلية، «جِمال المَحَامِل» لحضارات عربية وإسلامية وروسية، متآخية ومتلازمة فعلياً وسيكولوجياً ولغوياً.. إذ يَنشُدُ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تعزيزها ونقلها إلى مستوى أرفع ومكانة الصدارة في عالم اليوم، الذي كَرِهَ استيلاد جهات ما لـ»للحروب الجرارة»، سَفك الدماء وإلغاء الأوطان وحَرق المُستقبل، ويتطلع إلى جانب المسلمين وبالاتفاق معهم لسلام مًكين، وجيوش من نوع آخر ترتدي حُللاً بيضاء، سلمية ومُبدِعة، وتُقيم مداميك ثابتة لعالمٍ جديد، جُلّه الاستئناس بالآخر ورأيه، تطلعاته ومصالحه، وجَعلِ القِيم المُضَافَة الراشحة منه، تصبُ في صالح شعوبه التي هي بالطبع الألِف واليَاء، البداية والنهاية، والمحور المُعَاصر الأهم في العمل والانتاج الفكري والروحي والمادي الذي ينعكس إيجاباً على الجميع وأوطانهم.
في اجتماعات المُنتدى، تطرّق المتحاورون، وجميعهم من المُشتغِلين بالكلمة، من صحفيين، كتّاب، مُفكّرين ومُنظّرين مُخضرمين، إلى قضايا في غاية الحساسية والأهمية للمسلمين والعرب والروس، وتتمحور حول وسائل الإعلام والفكر والأهداف المتوخّاة منها، ودور حمَلة الفكر والكلمة في عَملانية توعية الرأي العام، وفي مواجهة ناشري الأخبار الباطلة، الكاذبة، والتشويهات والفبركات ذات الأبعاد الكارثية على الامم والشعوب، وهو ما نلمسه في تدخّلات الإعلام المَدفوع الموجّهة لتأليب المسلمين والعرب على بعضهم البعض. وأشار المشاركون إلى أن وسائل الإعلام الغربية تبث أخباراً مسيّسة كثيرة تتسبب في زيادة في التوتر وتصاعد النزاعات في أنحاء مختلفة من العالم، ما يؤدي إلى تعميق الانشقاق الدولي على أسس عرقية ودينية وغيرها.
كما أيّد المشاركون الأفكار التي استعرضها وزير خارجية روسيا، السيد سيرغي لافروف، في مقالته بعنوان «العالم على مفترق الطرق والنظام المستقبلي للعلاقات الدولية»، ونُشرت عشية بدء اجتماعات الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وانعكست الرعاية الروسية العالية للمنتدى بافتتاح الجلسة العامة - والتي جرت تحت عنوان «تأثير وسائل الإعلام في الرأي العام وتشكيل الأجندة الدولية» - برئاسة الشخصية الرفيعة المستوى ونائب رئيس مجموعة الرؤية الإستراتيجية، الدكتور فريد محمدشين، واستمع المشاركون لرسالة التحية التي أرسلها للمجتمعين، رئيس جمهورية تتارستان، رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية رستم مينيخانوف، ونائب رئيس مجلس الاتحاد بالجمعية الفيديرالية للاتحاد الروسي، الدكتور إلياس أوماخانوف، وشدّدا على أهمية علاقات بلادهم بالعالمين الإسلامي والعربي.
واستمع المشاركون باهتمام كبير إلى مداخلات مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام بموسكو، فلاديمير كوزنيتسوف، والنائب الأول للمدير العام لوكالة أنباء «تاس» ميخائيل كالميكوف، ومدير إدارة الإعلام والصحافة في وزارة الخارجية الروسية، أرتيوم كوجين، والمنسّق الخاص في وزارة الخارجية الروسية للاستخدام السياسي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إدوارد تشيرنوخين.
ولعل أحد أهم خلاصات البحث والنقاش، تأكيد المشاركين على ضرورة الحاجة الماسة للمزيد من التنسيق الوثيق بين القلميين المسلمين الروس والأجانب، في سبيل التصدي لظاهرة انتشار «الأخبار الكاذبة». وفي هذا السياق، أكّدوا ضرورة العمل على حث وسائل الإعلام للالتزام بالمبادئ والقِيم الأخلاقية للصحفيين، والوفاء بواجبهم المهني بكل أمانة ونزاهة، بما يتماشى مع الأحكام المُعتمدة في «ميثاق تونس العالمي لأخلاقيات الصحفيين»، وتوحيد جهود روسيا ودول العالم الإسلامي لتحسين الأجواء السياسية في العالم، ذلك أن مواقفها من القضايا الدولية والإقليمية منسجمة ومتطابقة. وللحديث بقية تأتي.
*كاتب وصحفي متخصص في الشأن الروسي.