انعقدت القمة السادسة عشرة لدول مجموعة "بريكس" يومي 22 و24 أكتوبر/تشرين الاول الجاري في مدينة قازان، عاصمة جمهورية تتارستان. وهذا هو الحدث الرئيسي ضمن رئاسة روسيا للمجموعة وأحد الأحداث السياسية الرئيسية لعام 2024. وفي هذا العام، انضمت مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة إلى البريكس. مؤسسو المنظمة هم البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا وروسيا الاتحادية. ومع ذلك، توافد الى القمة زعماء لأكثر من ثلاثين دولة.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وصل إلى قازان مساء 21 أكتوبر، بعد اجتماعات رسمية في موسكو مع رئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان. ومع ذلك، بدأت الرسائل تصل بعد الظهر من مطار قازان، حيث استقبل حرس الشرف وفتيات يرتدين الأزياء الوطنية الضيوف البارزين، بما في ذلك رئيسة بنك التنمية الجديد ديلما روسيف، ورئيس جمهورية صرب البوسنة والهرسك ميلوراد دوديك، نائب رئيس فنزويلا ديلسي رودريغيز، النائب الأول لوزير خارجية سريلانكا أروني ويجيواردان. والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا لن يتمكن من السفر جواً إلى قازان؛ ولهذا السبب، ترأس ماورو فييرا وزير خارجية البرازيل الوفد كون البرازيل إحدى الدول المؤسسة لمجموعة البريكس، كما وصل رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد لحضور القمة في اليوم الأول للقمة ، حيث كان في استقباله في المطار الدولي رئيس تتارستان، رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي" رستم مينيخانوف وكذا عمدة قازان إلسور ميتشين، مع ضيوف بارزين آخرين. وبعده سرعان ما هبطت طائرات رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا ورئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ والرئيس المصري عبد الفتاح خليل السيسي.
وافتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برنامج القمة بمحادثة عمل مع رئيسة بنك التنمية الجديد ديلما روسيف. وفي فترة ما بعد الظهر، التقى الرئيس بوتين برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي أكد أن الهند تتمتع بعلاقات تاريخية عميقة مع عاصمة تتارستان، وبعد افتتاح قنصلية البلاد في قازان ستتعزز العلاقات بشكل أكبر.
وبعد ذلك، التقى الزعيم الروسي برئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا. وأكد الضيف أن الدول على الساحة العالمية تؤيد تشكيل نظام عالمي عادل. وحضر اللقاء بين الرئيس بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ أيضا رئيس تتارستان رستم مينيخانوف. وأشار بوتين إلى أن العلاقات بين روسيا والصين تعد مثالا على كيفية بناء العلاقات بين الدول. وقال الرئيس الصيني شي إن الصين تقدر بحرارة عمل روسيا الاتحادية في إطار رئاستها لمجموعة البريكس.
كما تمت مفاوضات بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي في إطار قمة البريكس، والتي حضرها أيضًا رستم مينيخانوف. وشدد بوتين على أهمية تطوير التعاون مع مصر، مشيرا إلى أن مصر تمثل ثلث حجم التجارة الروسية مع أفريقيا. وتمت مناقشة المشاريع المشتركة، بما في ذلك إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية، وتأسيس منطقة صناعية روسية في قناة السويس. كما يجري الإعداد لاتفاقية تجارة حرة بين مصر والاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وأشار السيسي إلى التطور الديناميكي للعلاقات ودعم روسيا لانضمام مصر إلى البريكس، ووصف بوتين بالصديق.
وفي هذه الأثناء، واصل كبار الضيوف الوصول إلى مطار قازان: نائب رئيس وزراء صربيا ألكسندر فولين، الرئيس الموريتاني محمد ولد غزواني، رئيس لاوس ثونجلون سيسوليث، رئيس الكونغو دينيس ساسو نجيسو، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وزير خارجية إندونيسيا سوجيونو. واستقبل رئيس مجلس الدولة بجمهورية تتارستان فريد موخاميتشين الضيوف في جو مهيب.
وكان ايضا من بين الضيوف الأكارم الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان. وقبل توجهه إلى قازان، صرح بإن التعاون بين دول البريكس سيؤدي إلى نهاية العالم الأحادي القطب وعصر الشمولية الأمريكية. كما صرح الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لدى وصوله إلى مطار كازان، أن زيارته لقمة البريكس كانت تاريخية. وفي اليوم الأول للقمة، تم تأكيد مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
واختتمت فعاليات اليوم الأول لقمة البريكس في دار الضيافة بمدينة قازان، حيث أقام الرئيس بوتين حفل استقبال لكبار الضيوف. وكان من بينهم أيضًا وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود. وأقيم حفل عشاء ودي غير رسمي مع قادة الدول، حيث تمت مناقشة عدد من المواضيع المتعلقة بالقمة نفسها. ومن المهم أن نلاحظ أن الزعيم الروسي تمكن من إجراء محادثات فردية مع كل زعيم .
وفي اليوم الثاني من القمة، 23 أكتوبر، ناقش زعماء الدول الأعضاء في مجموعة البريكس إنشاء نظام مالي جديد وتوسيع المجموعة خلال اجتماع كان بشكل ضيق. واقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنشاء منصة استثمارية وتبادل الحبوب، مشيرا إلى اهتمام أكثر من 30 دولة بالتعاون مع البريكس. وفي اللقاء أشار الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى أن نظام الحوكمة العالمية عفا عليه الزمن. وشدد القادة الحكوميون على أهمية أمن الغذاء والطاقة والأمن السيبراني وضرورة إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ونتيجة للقمة، تم اعتماد وثيقة سُميت بـــ "إعلان قازان"،الذي يتألف من 134 بندا، والذي تم فيه الاتفاق على المزيد من توسيع مجموعة البريكس من خلال "تفحيص " خاص بمعايير غير معلنة وقائمة تضم 13 متقدماً للعضوية.
وتركز الوثيقة على أهمية تعزيز التضامن والتعاون في ثلاثة مجالات رئيسية : السياسة والأمن، والاقتصاد والمالية، والعلاقات الثقافية والإنسانية. ويسلط القسم الاقتصادي من الوثيقة الضوء على الحاجة إلى إصلاح مؤسسات "بريتون وودز" وإمكانات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ودور المرأة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وأعرب الزعماء السياسيون عن قلقهم إزاء التأثير السلبي للعقوبات على الاقتصاد العالمي، وسلطوا الضوء على تفاقم الفقر والأزمات البيئية وتآكل ميثاق الأمم المتحدة نتيجة للحظر التجاري. كما أثيرت في القمة القضية حول ضرورة إصلاح الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن، من أجل زيادة تمثيل الدول النامية. ومع التركيز على الحل السلمي، تمت مناقشة الصراعات الإقليمية الحادة، بما في ذلك الوضع في أوكرانيا والشرق الأوسط.
يشير إعلان قمة البريكس السادسة عشرة إلى دعم الاعتراف بفلسطين ضمن حدود عام 1967 ويعرب عن القلق بشأن الأزمة الإنسانية في الأراضي التي يحتلها الجيش الإسرائيلي. لقد تم ذكر أوكرانيا بلغة حذرة فيما يتعلق بالامتثال لميثاق الأمم المتحدة. كما تمت مناقشة التقدم المحرز في المشاريع المشتركة في الطب الحيوي والطاقة الخضراء والفضاء. ويتم التعامل مع المشاكل الأفريقية على أساس مبدأ "المشاكل الأفريقية – الحلول الأفريقية
وفي الوقت نفسه، استمرت رحلات كبار المسؤولين من الدول المهتمة بالتعاون مع البريكس في الهبوط في مطار قازان، حيث وصل رئيس وزراء فيتنام فام مينه تينه ورئيس أذربيجان إلهام علييف مع فارق بسيط جدا بينهما، وكذا رئيس طاجيكستان إمام علي رحمون، ورئيس جمهورية بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، وثمن كل من رئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف، ورئيس تركمانستان سيردار بيردي محمدوف الترحيب الحار لهم من قبل رئيس تتارستان رستم مينيخانوف. كما وصل إلى قازان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني والرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف.
كما التقى رئيس تتارستان رستم مينيخانوف مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف. وسبق أن تبادل رؤساء الدول الزيارات عدة مرات، وأشار مينيخانوف إلى أنه يتذكر رحلاته إلى باكو بحفاوة، مؤكدا على أن العلاقات بين الجمهوريتين مستمرة في التطور بنجاح. وفي نهاية اللقاء قدم مينيخانوف لعلييف وسام دوسليك.
التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. وأشار الرئيس بوتين إلى أن روسيا دعمت بنشاط الطلب الإيراني وساهمت سابقا في ربطها بمنظمة شنغهاي للتعاون. وأضاف أن هذا يفتح فرصا إضافية للعمل المشترك على الساحة الدولية. وفي اليوم نفسه، عقد الزعيم الروسي اجتماعات ثنائية مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد علي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وحضر اللقاء رستم مينيخانوف .
وكان الحدث الأخير للقمة هو الاجتماع في صيغة "بريكس بلس"، والذي انعقد في 24 أكتوبر. وشارك فيه ما يقرب من 40 دولة، بما في ذلك ممثلو رابطة الدول المستقلة وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وعلى الرغم من اليوم الأخير للقمة، الا ان الضيوف الكرام استمروا في التوافد إلى قازان. وهكذا التقى رئيس بوليفيا لويس آرسي برئيس مجلس الدولة في تتارستان فريد موخاميتشين.
خلال اجتماع ال"بريكس بلس"، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مناقشة منصة استثمارية جديدة لبريكس. كما دعا الزعيم الروسي إلى إصلاح الهياكل المالية الدولية وإنشاء آليات مالية بديلة
من جانبه ، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على أهمية التعاون الدولي لحل المشاكل العالمية، واعترف بأن الدول النامية لا تشارك في صنع القرار العالمي. كما وصف نظام التمويل الدولي بأنه عفا عليه الزمن وغير عادل، مشيرا إلى حاجة كل دولة إلى الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة وإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وأشار بوتين، ردا على كلام غوتيريش، إلى رغبة دول البريكس في خلق أجواء مواتية للتعاون، على الرغم من الخلافات. وشدد على نظام عالمي ديمقراطي جديد يقوم على احترام الحقوق السيادية للدول، وأشار إلى محاولات احتواء الدول النامية من خلال العقوبات. واستمر الاجتماع ما يقرب من ثلاث ساعات ونصف الساعة، حيث ناقش المشاركون ليس فقط إصلاح النظام المالي العالمي والأمم المتحدة، ولكن أيضًا الحاجة إلى السلام في مناطق مثل غزة ولبنان وأوكرانيا والسودان.
كما تحدث الرئيس بوتين ضد الإرهاب في الشرق الأوسط وأكد أن التسوية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال قيام دولة فلسطين المستقلة. بدأت دول البريكس في إنشاء بورصة للحبوب لتحديد أسعار عادلة للحبوب ومعالجة قضايا الأمن الغذائي. وأيد القادة السياسيون مبادرة منصة الاستثمار الجديدة لمجموعة البريكس لزيادة تدفقات الاستثمار إلى الاقتصادات النامية
وفي القمة أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى أن المبادرة الصينية البرازيلية بشأن أوكرانيا يمكن أن تصبح الأساس لتسوية سلمية. وشدد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على أهمية إصلاح المؤسسات المتعددة الأطراف، في حين انتقد الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان فعالية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي بسبب التدخل الغربي. بدوره، وصف رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا القمة في كازان بأنها "ناجحة للغاية".
وأعرب رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو عن دعمه الكامل لمفهوم البريكس واستعداد البلاد لتصبح مشاركا نشطا فيها، مؤكدا على إمكاناتها على الساحة الدولية. كما أظهرت السلطات البيلاوسية رغبة نشطة في الانضمام إلى مجموعة البريكس.
وجرى خلال القمة حوار بين الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان. وأفاد الأخير أن الموافقة على مشروع معاهدة السلام مع باكو أوشكت على الانتهاء. ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى فرض حظر على مبيعات الأسلحة لإسرائيل وأعرب عن دعمه للشعب الفلسطيني. وأيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس اقتراح نظيره التركي وأعرب عن أمله في انضمام فلسطين إلى البريكس.
انتقد نيكولاس مادورو، رئيس فنزويلا، المحكمة الجنائية الدولية لملاحقتها القضائية بشكل انتقائي لدول الجنوب العالمي، مما سلط الضوء على الحاجة إلى نظام عدالة دولي أكثر عدالة. وأشار الرئيس البوليفي لويس ألبرتو آرسي كاتاكورا إلى أهمية المشاركة في مجموعة البريكس لاستعادة سيادة الدول.
وفي اليوم الأخير من القمة، التقى فلاديمير بوتين برئيسي لاوس ثونجلون سيسوليث وموريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني لبحث التعاون والاستثمارات المشتركة.
ومن المهم الإشارة إلى أن الزعيم الروسي التقى أيضًا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقال الرئيس بوتين إن روسيا ترى أن الوضع في فلسطين لا يتحسن، بل يتدهور. وأشار إلى أن الأحداث المأساوية التي شهدها قطاع غزة أدت إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص وسببت تفاقم الأوضاع في لبنان والضفة الغربية.
وشدد فلاديمير بوتين على موقف روسيا المبدئي: حيث تؤيد البلاد وضع نهاية مبكرة لسفك الدماء وتوفير وصول المساعدات الإنسانية إلى كل المحتاجين، وأضاف أن العمل تم تنفيذه في إطار رئاسة البريكس وأن الدول المشاركة تلتزم بمناهج مماثلة. وشكر عباس الرئيس بوتين على اهتمامه بالقضية الفلسطينية في اجتماع ال "بريكس بلس"، وأعرب عن استعداد فلسطين للمشاركة في البريكس بأي شكل مناسب من التعاون
وأعلن الرئيس بوتين في المؤتمر الصحفي عقب اختتام أعمال القمة: "لقد اختتمت قمة البريكس السادسة عشرة بنجاح وأصبحت تتويجا لرئاسة روسيا للرابطة وأحد الأحداث البارزة في التقويم السياسي العالمي".
وشكر رئيس الاتحاد الروسي قيادة تتارستان ومكتب عمدة مدينة قازان على توفير الظروف المريحة، كما اعتذر لسكان المدينة عن الإزعاج الذي سببته لهم قمة البريكس. بادئ ذي بدء، لفت الزعيم الروسي انتباه الصحفيين إلى حقيقة أن المشاركين الجدد رأوا وفهموا أنه من الممكن العمل في البريكس وتحقيق النتائج".
مجموعة الرؤية الإستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي"
Photo: Maxim Bogodvid/Photohost-agency brics-russia2024.ru