الدبلوماسي ألكسندر أكسينيونوك يتحدث عن التحديات التي تقف أمام سوريا على خلفية جائحة كورونا.
المشاكل المرتبطة بجائحة كورونا، وانهيار أسعار النفط وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي قد تعقد الطريق المعقدة أصلا إلى تسوية قضايا الشرق الأوسط المتعددة. إن اتجاه مسار تطور الأحداث في سوريا، الدولة التي تتحمل روسيا مسؤوليتها، أمر في غاية الأهمية بالنسبة لموسكو.
إن التحديات الحقيقية بالنسبة لسوريا في المنظور القريب اقتصادية في جوهرها، ولم تعد في مواجهة خطر الإهراب. في الفترة ما بين الأعوام 2011 و 2018 انخفض الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بنحو الثلثين - من 55 مليار دولار إلى 20 مليار دولار في السنة. هذا يعني أن كلفة إعادة إعمار سوريا (250 مليار دولار على أقل تقدير). أي ما يعادل 12 ضعفا لإجمالي الناتج المحلي السنوي. مستوى معيشة 80٪ من السوريين خلال سنوات الحرب انخفض إلى ما دون خط الفقر، وتقلص متوسط العمر بنحو 20 عاما. وتعاني البلاد من نقص في الكوادر المؤهلة. على خلفية كل هذا تظهر مشكلات جديدة.
- العقوبات الأمريكية: بموجب القرار الذي وقع عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 من ديسمبر كانون الأول الماضي، والذي يقضي بفرض حزمة جديدة من العقوبات، تمكن الولايات المتحدة فرض عقوبات على الجهات الرسمية والشركات والأشخاص الذين يتعاونون مع دمشق من أي دولة في العالم كانوا، بل وقانونيا يلزم الرئيس الأمريكي بفعل ذلك، كما ينطبق الأمر على البنوك التي تتعامل مع البنك المركزي السوري.
الأزمة المالية في لبنان: يلعب القطاع المصرفي في لبنان دور «البوابة إلى العالم الخارجي» بالنسبة لسوريا. فرض القيود المالية في لبنان حد من صفقات استيراد المواد الأولية إلى سوريا، بما فيها القمح، وأثر سلبا عاى إستيراد العديد من المواد الأخرى، ما إدى إلى ارتفاع حاد بالأسعار وأنخفاض في سعر صرف الليرة السورية.
الإضرابات في واردات النفط من إيران، وذلك بسبب تذبذبات أسعار النفط العالمية وتشديد العقوبات الأمريكية على طهران، والتي قد تصل إلى حد توجيه ضربة عسكرية أمريكية على البنية التحتية النفطية الإيرانية شرق سوريا.
بالإضافة إلى هذه المخاطر التي قد تؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي وما ينتج عن ذلك من اضرابات اجتماعية تبرز على السطح جائحة كورونا.
دمرت سنوات الحرب المنظومة الصحية في البلاد، حيث تعاني سوريا من نقص الأطباء والدواء والمعدات الطبية. كما أن الكثافة السكانية العالية في المدن وفي مخيمات اللاجئين قد تساهم في تفشي الفيروس المستجد.
هذا المشهد المعقد يقول: «على دمشق أن تزن المخاطر وترسم استراتيجية طويلة الأمد».
إن الواقع العسكري الجديد لا يمكن أن يكون مستقرا دون إعادة إعمار الاقتصاد، ودون بناء منظومة سياسية تستند إلى قاعدة وطنية سورية ناتجة عن تفاهم دولي.
يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية عام 2021 القادم، ويبدو أن دمشق لا تميل إلى إبداء بٌعدِ النظر والليونة وتعول على الحل العسكري بدعم من حلفائها، وعلى الحصول منهم على مساعدات مالية واقتصادية غير مشروطة، كما كان الأمر في الأيام الخوالي زمن المواجهة السوفيتية الأمريكية في الشرق الأوسط.
البلد مقسم في الواقع إلى مناطق نفوذ، بين روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة. الإدارة المحلية في عفرين وفي المناطق الشمالية الأخرى الخاضعة للنفوذ التركي ترضخ للسلطات التركية المحادية لمنطقة خاطاي.
مساحات شاسعة شرق الفرات (الرقة ودير الزور) تدار بمنظومة من المجالس المحلية، وهي في الواقع تحالف غير ثابت بين الأكراد والقبائل العربية. الوجود العسكري الأمريكي وإن كان محدودا كما تزعم واشنطن، إلا أن قوامه يصل إلى 1500 إلى 2000 عسكري، ويستبدل هذا القوام بشكل دوري.
وأخيرا إدلب، مفاوضات أستانا في إطار (روسيا وتركيا وإيران) مكنت دمشق من إعادة سيطرتها على ثلاث مناطق لخفض التصعيد. ولم تبقى سوى المنطقة الرابعة، اذ تحولت إدلب إلى معقل محصن للإرهاب، بعد أن توافد إليها المسلحون من باقي أرجاء سوريا.
بينت الحملة العسكرية الأخيرة في إدلب حدود الممكن، على الرغم من النجاحات التكتيكية التي تم تحقيقها بدعم من القوات الجوية الفضائية الروسية.
أما روسيا من جهتها فقد وصلت إلى حدود التنازلات على الساحة الدبلوماسية. أظهر التصعيد حول إدلب في فبراير الماضي التباين بين مصالح موسكو وأنقرة، اللاعبين الرئيسيين المحددين لمصير منطقة خفض التصعيد هذه. الإصرار الروسي والسوري على تدمير آخر معاقل الإرهاب الدولي اصطدم بمخططات تركيا الاستراتيجية، والتي تتمثل في إقامة منطقة عازلة بواسطة المجموعات المسلحة المعارضة للأسد والخاضعة لسيطرتها. الهدف الذي تسعى إليه من وراء هذه المنطقة هو ضمان أمن الحدود التركية وإيجاد مساحة كافية لإعادة اللاجئين السوريين إليها والحصول على ورقة رابحة في هذه اللعبة السياسية.
وفي النتيجة، وصلت روسيا وتركيا إلى نقطة يجب فيها البحث عن تنازلات بعيدة الأمد تستند إلى الرؤية المشتركة لمستقبل سوريا. وهذا الأمر ليس بالسهل مع الأخذ بعين الاعتبار رفض القيادة السورية للإصلاحات.
مع انخفاض التوتر في الأزمة السورية، أصبح واضحا عدم رغبة أو عدم قدرة السلطة في دمشق تأسيس منظومة إدراة قادرة على إيجاد ظروف للانتقال من «الاقتصاد العسكري» إلى علاقات اقتصادية تجارية طبيعية.
وحتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، مازالت «القوانين المحلية» سارية: الأتاوى من التجارة والعبور والقوافل الإنسانية تؤخذ لمصلحة سلسلة من الرتب العسكرية في الجيش أو المؤسسات الأمنية أو وسيط تجاري من المقربين للحكومة.
شكلت سنوات الحرب «مراكز نفوذ» وهياكل تعمل في الظل غير معنية بالإنتقال إلى التطور السلمي، رغم المطالب بظالإصلاحات في المجتمع السوري وفي دوائر رجال الأعمال وفي جزء من جهاز الدولة.
النتيجة هي أن الظروف اللازمة لإنجاز مشاريع كبيرة لإعادة إعمار سوريا غائبة . وتبدو إعادة الإعمار غاية صعبة المنال بالنسبة للسلطة في دمشق وكذلك لمجموعة المانحين الدوليين على حد سواء.
يحد الواقع الدولي المتغير من قدرات حلفاء سوريا على تقديم الدعم المالي والاقتصادي اللازم. أما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج فتضع شروطا للمشاركة في إعادة الإعمار وتشترط البداية في العملية السياسية ووفقا لمشروع قرار الأمم المتحدة رقم 2254، والذي ينص على القيام بتعديلات دستورية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة.
وشددت القيادة الروسية العليا مرارا على حتمية الحل السياسي والتوصل إلى تسوية بين السوريين في إطار مبادىء الشرعية الدولية.
الحكومة السورية ليست جاهزة لهذا الأمر بعد، ولا يمكن للأمر مع مرور الوقت إلا أن يزداد سوءا.
الكسندر أكسيونوك - خبير في نادي «فالداي» سفير مفوض وفوق العادة، نائب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية.