Ru En

الأُردن العَربي وروسيا السلافيّة: صداقة ثابتة

١٣ يونيو ٢٠١٩

إحتفائية سفارة روسيا الفيديرالية  في الأُردن، والتي ترأّسها سعادة السفير الروسي الجديد لدى البلاط الملكي الهاشمي، غليب ديسياتنيكوف، كانت لافتة للغاية، لا سيّما لكثافة حضور مختلف أطياف المجتمع الاردني فيها، كذلك كان أمرها في التمثيل الدبلوماسي العربي والأجنبي الواسع، ولفت أنظار الحضور ضخامة كَرَم الضيافة الروسي في إطارها، وحسن تنظيمها، ولا ننسى هنا التمثيل الكبير للدبلوماسيين الروس في أروقة الحفل. وبرغم أن سعادة السفير الروسي لم يلقِ كلمة في هذه الإحتفائية، وهو أمر فاجأ الحضور، إلا أن الإحتفالية بحد ذاتها عَرَضَت للكثير فيما يتصل بطبيعة العلاقات الثنائية الروسية الاردنية، التي ما توقّفت تتعمّق بتلاحُق الشهور والسنين في شتى النواحي وعلى مختلف الصُعد.

 

الأُردن العَربي وروسيا السلافيّة: صداقة ثابتة

مروان سوداح - مؤلف المقال

 

يَشهد الاردن منذ سنوات طويلة تطورات متواصلة في العلاقات مع روسيا، على الصعيدين الرسمي والشعبي – الاجتماعي والثقافي وفي غيرها. ولذلك، فقد غدت اللغة الروسية اللغة الأجنبية الثانية المَحكية في الشارع العام الاردني، بعد اللغة الانجليزية، بفضل دخول اللغة والثقافة الروسيتين الى المجتمع المحلي بشكل صاعد وثابت، وبالتالي تجذّرهما فيه، إلى جانب وجود عددٍ كبير من العائلات الروسية - الاردنية المختلطة، وكذا أنشطة تختص بهذه العائلات وبناتها وأبنائها، مِمَن ينضوون في قِوام هيئات وأُطر تهتم بهم وبتطوّرهم اللغوي والثقافي والفني والتعليمي، فغدت المصاهرة والحالة الواقعية هذه بين الشعبين، أكثر من مُجرّد علاقة وروابط صداقة، إذ إختلطت دماء الأُمتين العربية الاردنية و الروسية السلافية من خلال هذه المصاهرة الكاملة، مِمَا أنتج حالة نوعية وظاهرة متميزة في المجتمع المحلي، داعمة لصعود العلاقات الثنائية الى فضاءات متجدّدة، بفضل الإبداع المُتلاحق فيها.

 

الأُردن العَربي وروسيا السلافيّة: صداقة ثابتة

الملك الحسين يلتقي يفجيني بريماكوف (الأُردن ,1997, ITAR-TASS)

 

لقد حافظت العلاقات السوفييتية و الروسية الاردنية على ألقها، منذ الاعتراف الدبلوماسي المتبادل بين الدولتين (21 أغسطس / آب عام 1963)، فقد قامت هذه العلاقات بين روسيا الكبيرة والمترامية مساحةً والكثيرة السكان، والاردن الصّغير مساحة والقليل نفوساً قياساً للاتحاد السوفييتي وروسيا. وبرغم ذلك، لم تشهد هذه العلاقات ومنذ لحظتها الاولى سوى التوسّع، ومِن ثمَّ التجذّر في مسارب التفاهم والمَحبة القائمة على معادلة "رابح - رابح" لنظامي الدولتين وشعبيهما، وهو ما أدّى لامتداد التعاون أفقياً وعمودياً إلى المجال العسكري، وللتنسيق في الحقل السياسي بألوانه المتعددة، بينما شهدنا في العالم العربي، كيف أن بلداناً عربية تراجعت علاقاتها مع موسكو، بينما أُخرى عانت من هبوط سريع وكارثي في أساساتها، وحتى أن ذلك قد حدث في حالات حرجة ومصيرية لعددٍ من تلك البلدان العربية، لكن الملكية الاردنية والسوفييتية الاشتراكية، ومن ثم روسيا البوتينية الجديدة، أبقوا على علاقاتهم في حالة جيدة جداً، برغم جمُلة الاختلافات العديدة بينهم، وهو ما يؤكد بأن البلدين تمكّنا من إعطاء مِثال يُحتذى للمجتمع الدولي للصِّلات الطيّبة والمُنتجة بين الدول، بغض النظر عن أية ظواهر قد تبدو للبعض على أنها صعوبات أو تباينات إعترت مَسيرتهما.

 

  لقد حافظ الروس من جانبهم، وعلى مرّ الأزمان، على علاقات أكثر من ودّية وطيبة للغاية مع الاردن والاردنيين، ومع عموم العرب كذلك في القارتين الآسيوية والأفريقية، وما تزال هذه العلاقات قائمة وشاهدة على عُمق الوشائج وتعدّدها بين البلدين والشعبين والامة العربية. فروسيا تنهل إرثها الروحي – التاريخي من الاردن وفلسطين بالذات. ولهذا يَحق لنا وصف هذه العلاقات، وببساطة، بِــ"الممتازة" تاريخياً وموضوعياً، مِمَا يُمَكّن عرض هذه العلاقات - والتي يبقى جوهرها المساواة والتعاون المُثمر-، على العالم أجمع دولاً وشعوباً، للتأكيد بأنها لا تشكّل أية عقبة في وجه السياسة الاردنية، التي تعَمد للإتكاء على الكِبار في تحالفات المملكة دولياً وعربياً لتشكيل السّند والمَدد لسياستها، ناهيك عن أن روسيا لا تبعد سوى "رمية حجر" عن الاردن ومنطقتنا العربية، التي هي منطقة تَعتبرها "الروسيا" ومنذ تأسيسها كدولة، بُعداً إستراتيجياً وذات أهمية مَصيرية دهرية لها، منذ عصور طويلة خلت، وإلى اليوم، وإلى عصورٍ كثيرة مُقبلة.

 


إن مسألة صلابة العلاقات الاردنية الروسية هي مسألة تجتذب الباحثين لمتابعتها ودراستها وسبر أغوارها، إذ في المُقابل منها نرى دولاً عربية ذات أنظمة مختلفة، وبعضها مدنية وشبه علمانية حتى، أتّسمت علاقاتها سابقاً أو تتسم علاقاتها الحالية مع موسكو بالركود واللاأُبالية، ولم تتمكن هذه الدول من توسيع وتعميق وتفعيل علاقاتها مع موسكو مع أن ذلك مُتاح لها "جداُ"، مع أنها تستطيع نقل هذه العلاقات إلى ذرى أعلى فأعلى!

 

الأُردن العَربي وروسيا السلافيّة: صداقة ثابتة

 Creative commons الزرقاء


واللافت هنا للانتباه بشكل خاص، إلى أن العلاقات الدبلوماسية ما بين عمّان المَلكية الاردنية وموسكو الاشتراكية السوفييتية كانت أُقيمت بمبادرة أردنية بالذات، وهو أمر يَلزمه الكثير من البحث والدراسة والاستنتاج، لأهمية هذه الخطوة المَلكية ولأبعَادها الدولية. فبرغم اختلاف الأداء السياسي وطبيعة العلاقات الدولية بين عمّان وموسكو، إلا أن الملك الراحل الحسين بن طلال كان شخصياً يُتابع وبإهتمام مُلفت مَلف العلاقات الاردنية - الروسية وتنميتها بتسارع، إلى حد أن الملك الحسين كان وصف الاتحاد السوفييتي ذات مرة بأنه بلد عظيم. إن مبادرة عمّان لإقامة العلاقات مع موسكو حقيقة يؤكدها المختصّون والدارسون لهذه العلاقات، وتؤكد ذلك مختلف المراجع المُحايدة، وكذلك كان أمر مبادرة الاردن المَلكي في  16 فبراير / شباط عام 1992، إلى الاعتراف بروسيا كوريثة وحيدة للاتحاد السوفييتي، فالاردن يهتم بوجه خاص بالثقل الروسي لحل القضية الفلسطينية، ولخلق توازن لثقل الدول الكبرى في منطقته، مُوظفاً في ذلك أيضاً مقررات منظمة الامم المتحدة، وداعياً للالتزام بالقانون الدولي، ولهذا ولغيره من الأسباب، نلمس، ومنذ القِدم، تطابقاً كبيراً وملحوظاً في مواقف العاصمتين موسكو وعمّان في الغالبية الساحقة من القضايا الإقليمية والدولية، مِمَا أفضى إلى "تصليب" مسيرة البلدين، وإمتدادها إلى أكثر من صداقة وتعاون وتنسيق على مدار سنين طويلة، وهي وقائع وعوامل أفضت إلى أن يُرسي جلالة الملك عبدالله الثاني إبن الحسين و فخامة الرئيس فلاديمير بوتين، علاقات شخصية قوية بينهما، قد يَندر توافرها بين زعماء بلدان أخرى، ما يُشير ويؤكد اهتمام الاردن بلا توقف بروسيا ومكانتها الدولية، وتأثيرها الكبير على المنطقة العربية، وبضمنها الآسيوية، وتوظيف الاردن لهذه المكانة في أوضاعه وحِراكاته الدولية وفي "الشرق الاوسط"، الذي تتنازعه قوى مختلفة في توجّهاتها السياسية والأيديولوجية ومفاعيلها العسكرية والحربية، إذ أن الأوضاع في المنطقة العربية تنُتج، بين حين وآخر، توترات وحروب وأزمات سياسية عميقة، تُنهك الدول التي تحيط بالاردن، ومارست وما تزال تمارس تأثيرات سلبية كبيرة وخطيرة على الاردن نفسه، وعلى إقتصاده ونسيجه الديمُغرافي، وبخاصة في مسألة التسوية السلمية والنهائية للقضية الفلسطينية التي طال أمدها، وقضايا شائكة منها التوترات والحروب والنزاعات في سورية والعراق والخليج واليمن وغيرها.

 

خُلاصة القول، أن العلاقات الاردنية الروسية مزدهرة برغم الصعوبات التي تلف بالمنطقة التي ينتمي الاردن إليها، وهذه العلاقات مُرشّحة في الشهور والسنين المقبلة الى مزيدٍ من التطور والنّماء والازدهار، من خلال قرارات علمية مدروسة، فالتغيّرات الدولية التي نراها تتلاحق يومياً، ستُفضي بنا لا محالة إلى فضاءات روسية أوسع مع روسيا السلافية البوتينية، وستعود على البلدين وشعبيهما بفوائد أعم وأشمل.

 

الأكاديمي مروان سوداح - مؤسـس ورئيس رابطة القلميين العرب حُلفاء روسيا بوتين، وصحافي متخصّص بالشأن الروسي

الصورة: الموقع الرسمي لرئيس روسيا