Ru En

آباي والمرجاني - من التنويريين ولهما صلة بالعالم التركي

١٥ ديسمبر ٢٠٢٠

شهد عام 2020 في كازاخستان احتفالات بالذكرى 175 لآباي قونانباييف، أول كلاسيكي في الأدب الكازاخستاني وهو الشاعر والمعلم والملحن والمفكر والشخصية الإجتماعية . في 14 ديسمبر/ كانون الأول، عشية عيد استقلال جمهورية كازاخستان، وفي داخل أسوار أكاديمية  العلوم لجمهورية تتارستان في قازان، عُقد مؤتمر علمي وعملي دولي بعنوان "الحركة التعليمية بين الشعوب التركية وأعمال الآباي"، والذي جمع ليس فقط الباحثين عن تراث الآباي، ولكن أولئك الذين يدرسون ملامح الأنشطة التعليمية بين الشعوب التركية.


كما يعتقد الخبراء، إن الإرث الرئيسي للشاعر الكازاخستاني كانت "كلمات الموعضة - كتاب الأقوال "، باللغة القومية والصوت الشعبي - " كارا سوز"، والتي اصبحت تُدرس في المناهج الإلزامية للمدارس والجامعات في كازاخستان. وكتبها في  اكثر من 45 من المقاطع والابيات الشعرية . ظهرت الى النور عندما اصبح الشاعر في أوج ابداعه .جمع المؤلف القواعد المعتادة فيما يتعلق بالأخلاق وقواعد السلوك في المجتمع.المقاطع والابيات الشعرية مفهومة للجميع، لأنها كتبت بلغة بسيطة، مما كسبها شعبية بين الكازاخيين العاديين وساهمت في تكوين الأخلاق العالية والتنوير بين السكان المحليين. تُرجمت "كارا سوز" إلى الروسية عدة مرات. تم نشر الكتب على نطاق واسع في اعوام 1945 و 1954 و 1979. جرت محاولات عدة لنشر الكتاب باللغة الألمانية، ولكن في ترجمة الابيات فقدت قيمتها  الادبية والفنية، وظل العمل غير مكتمل ولم يرى النور.


إحدى الإنجازات الرئيسة للشاعر الكازاخستاني هي الرغبة في تقريب ثقافة شعبه بالثقافة الروسية قدر الإمكان. فقد كرّس الكثير من وقته لترجمة الأعمال الكلاسيكية والحديثة إلى لغته الأم الكازاخستانية وبذل قصارى جهده لجعلها مفهومة للقراء. سنوات دراسته في المدرسة الروسية وفترة احتكاكه مع ممثلي المجتمع التقدميين لم تذهب سدى. كان هذا هو ما ساعد آباي على النظر إلى حياة شعبه وعاداته و تقاليده من خلال  نظرة خارجية. وبصدق لم يتقبل العديد من التقاليد، وبعد سنوات عكس ذلك في ابياته "كلمات الموعضة - كتاب الأقوال " .


عارض الشاعر التقاليد الهمجية التي التزم بها عامة الناس لقرون و خاض معركة ضد الجشع والنفاق والخضوع امام السلطة وطالب بمساواة النساء بالحقوق مع الرجل. 
أشار بهذه المناسبة رئيس أكاديمية العلوم في جمهورية تتارستان، ماكزيوم حليمولوفيتش  صلاخوف، الى ان ليس من المستغرب أن يُعقد مثل هذا المؤتمر على أرض قازان، لأن كازاخستان وتتارستان شعبان تركيان، تربطهما علاقات تاريخية عمرها قرون و لم نفقد أواصر صداقتنا، والتي تميزت في السنوات الأخيرة بمشاريع جادة في مجال الأعمال والعلوم والثقافة والأدب. أحد هذه المشاريع هو لقائنا اليوم، الذي جمع العلماء ورجال الدولة من العالم التركي. والمناسبة لهذا الاجتماع المثمر هو الذكرى 175 لآباي  قونانباييف، الذي لا ينتمي إرثه الروحي إلى الشعب الكازاخستاني فحسب، بل هو ملك للعالم التركي بأسره .


وفي حديثه عن العمل المشترك، قال صلاخوف إنه في عام 2019، اكتشف العلماء الكازاخستانيون وثيقة تخص القوانين والقواعد للكازاخيين العاديين، التي تم إعدادها قبل 135 عامًا مكتوبة بالخط العربي والمحفوظة في مكتبة جامعة قازان الفيدرالية. وقد تمت الإشارة إلى أن آباي شارك في صياغتها وتم اعتمادها في عام 1885.


كما اضاف صلاحوف: "إن إبداع ونشاط آباي  تطابق مع آراء شهاب الدين المرجاني، قيوم نصيري، رضاء الدين فخر الدين. كان آباي من أوائل المدافعين عن حقوق المرأة، وتحدث عن أهمية الحصول على التعليم وأراد تحقيق الرفاهية الاجتماعية العامة. كانت الفكرة المهيمنة في نشاط آباي هي تنوير الشباب وتشكيل الوعي الذاتي الوطني للشعب الكازاخستاني" .


تجدر الإشارة إلى أن عقد مثل هذا المؤتمر هو حدث تاريخي للعالم التركي بأسره. جاء ذلك في كلمة فاريت موخاميتشين، رئيس مجلس الدولة بجمهورية تتارستان ومجلس تجمع شعوب تتارستان وجهت عبر الفيديو.


واكد موخاميتشين على "إن انعقاد المؤتمر في قازان رمزي للغاية ويشهد على العلاقات الودية الخاصة بين الشعوب الشقيقة. بالإضافة إلى العلاقات الثقافية القديمة، ونعمل بنشاط على تطوير حوار الأعمال متبادلة المنفعة. ويكفي أن نلاحظ أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، كانت كازاخستان أحد الشركاء التجاريين الخارجيين الرئيسيين لتتارستان". ووفقًا له، فإن جدول أعمال المؤتمر يتضمن قضايا أساسية لتحليل النموذج التربوي لثقافة الشعوب التركية، والفهم الحديث للتراث الثقافي والفلسفي الغني لآباي، المصلح والمستنير، مؤسس الأدب الكازاخستاني المكتوب الذي قدم مساهمة كبيرة في الحوار الحضاري بين الشرق والغرب. واختتم موخاميتشين حديثه قائلاً: "هناك طلب على المخزون الروحي لآباي في القرن الحادي والعشرين، لأن في عمله يمكننا أن نجد إجابات للأسئلة الأبدية في الحياة، حول وجود الإنسان ومعنى حياتنا "، متمنيًا للمشاركين في المؤتمر عملًا مثمرًا ومشاريع جديدة.


زملاء من كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وأذربيجان كانوا متصلين مباشرة مع قازان عبر الفيديو، حيث أشار السفير المفوض فوق العادة لجمهورية كازاخستان لدى روسيا الاتحادية، إرميك كوشيرباييف، إلى أن المؤتمر في قازان يلخص العام الذي مر في كازاخستان والجمهوريات الشقيقة تحت اسم آباي.


في تحية وزير الدولة لجمهورية كازاخستان كريمبيك كوشيرباييف، التي قرأها السفير، لوحظ أن التكوين الفكري لآباي تم بفضل شهاب الدين المرجاني، أكبر عالم في الجغرافيا التركية وخبير في تاريخ حوض الفولغا بلغار. وقال في رسالة التحية " وقف آباي على بداية عصر التنوير. إرثه دليل أخلاقي للأجيال القادمة. نحن نعتبر أنه من المهم بشكل خاص، عند دراسة تاريخ كازاخستان وتتارستان الممتد لقرون، وضع مقترحات وتقديم حلول لواقع اليوم. نريد أن نؤكد أن المجتمع العلمي والثقافي في كازاخستان مستعد دائمًا لدعم الأبحاث التي تهدف إلى الحفاظ على ثقافتنا المشتركة وتطويرها".


تتجلى الروابط الوثيقة التي تعود إلى قرون بين تتارستان وكازاخستان من خلال حقيقة أن إرث آباي قد ترجم في وقت من الأوقات إلى لغة التتار. أعاد هذا إلى الأذهان يرلان صاديقوف، رئيس الجامعة الوطنية الأوراسية التي تحمل اسم  ل. ن. غوميليف. وشدد رئيس الجامعة على ان "مهمتنا الأساسية هي تعميق وتطوير هذا الارتباط الأدبي والثقافي". على سبيل المثال، تم بالفعل افتتاح معهد والتي مهمته الرئيسية الارتقاء بدراسات آباي إلى مستوى جديد. كما اقترح العمل على التنفيذ المشترك للمشروع العلمي "آباي - المرجاني : وحدة الحكمة والاستمرارية"، وإعداد دراسة جديدة بعنوان "تاريخ الشعب الكازاخستاني في أعمال المرجاني"، وترجمة المجموعة العلمية "دراسات آباي : مرحلة جديدة" إلى اللغة التتارية و تدريسها في الدراسات العليا ودراسات الدكتوراه، جيل الكوادر العلمية الجديدة في العلاقات الكازاخستانية التتارية. واختتم يرلان باتشيفيتش حديثه قائلاً: "آملي أن يكون مؤتمر اليوم بداية لمرحلة جديدة من العلاقات الثقافية والعلمية والتعليمية والإنسانية بين كازاخستان وتتارستان بشكل عام".


دعم نائب رئيس مؤسسة أوتانداستار" ماجاويا صارباسوف مبادرة زميله، مؤكداً أن تراث آباس جزء لا يتجزأ من المخزون الثقافي، وعظمته تكمن في طريقة الحياة التي قادها الشاعر، وفي الوطنية التي دعا إليها.


الجدير بالذكر أن المؤتمر نظمه معهد اللغة والأدب الذي يحمل اسم ابراهيموفا، القنصلية العامة لجمهورية كازاخستان في قازان والجامعة الوطنية الأوروبية الآسيوية. وشارك في الاجتماع علماء وخبراء من تتارستان وكازاخستان، وأذربيجان، وأوزبكستان، وقيرغيزستان، وباشكورتستان، وموردوفيا، وأدمورتيا، وتشوفاشيا، وموسكو ومناطق أخرى من روسيا. خلال اللقاء المثمر، نوقشت قضايا مثل ظاهرة آبي في النموذج التربوي للشعوب التركية، عمله في سياق العلاقات الأدبية التركية وفي الترجمات الأدبية التركية، صورته في الأدب ونقد الشعوب الناطقة بالتركية، تشكيل نموذج تعليمي في ثقافة الشعوب التركية، الاتجاهات التربوية في آداب الشعوب التركية، دور جامعة قازان والمدارس التتار في تنمية التنوير بين الشعوب التركية، إلخ.


وتلخيصاً لنتائج هذا المؤتمر، أكد المشاركون فيه وبالإجماع أن الحدث العلمي أصبح تتويجاً لنتائج فعاليات عام 2020، التي أقيمت في كازاخستان وفي العديد من الدول الشقيقة والصديقة تحت عنوان الذكرى 175 لآباي، مع الاشارة الى اتجاهات العمل البحثي  وتحديد المكان، ودور المفكر العظيم في تاريخ الشعب الكازاخستاني.