كل يوم وكل عام نبتعد بشكل متزايد عن أحداث عام 1917، عندما انعقد أول مؤتمر للنساء المسلمات في قازان لعموم روسيا بتاريخ 24 نيسان/أبريل 1917. وكانت في البداية قائمة المدعوات 60 امرأة، وارتفعت وأصبحت حوالي 72 ممثلة لعالم المرأة الإسلامية، بالإضافة الى المئات بين المتفرجات والمستمعات.
خديجة تاناتشيفا، سليمة ياعقوبوفا، زاهدة برناشيفا، إلهاميا توكتاروفا، شفيقة غاسبرينسكايا - هذا ليس سوى عدد قليل من أسماء النساء اللواتي استطعن، من خلال عملهن ومن خلال أفعالهن، تغيير وتحسين حياة النساء المسلمات: الحقوق الانتخابية للمرأة والمساواة في الحقوق في العمل، وفرصة القيام والمشاركة بدور نشط في الحياة العامة - في المؤتمر المذكور ناضل المشاركون من أجل ذلك.
وقد قدمت كل امرأة مسلمة مساهمة لا تقدر بثمن في القضية المشتركة. واليوم نريد أن نتحدث عن أحدهن - عن شفيقة غاسبرينسكايا.
وُلِدت شفيقة غاسبرينسكايا عام 1886 في باخشيساراي حيث تلقت تعليمها. كانت ابنة المعلم العظيم إسماعيل بك غاسبرينسكي، وهو من تتار القرم، وأمها بيبا زُهرة أكشورينا، المنحدرة من عائلة نبيلة من تتار الفولغا . بدأت الفتاة العمل مبكراً جداً مع والدها في صحيفة "الترجمان".
بعد تخرجها من المدرسة الثانوية عام 1906، أصبحت شفيقة رئيسة تحرير أول مجلة نسائية في العالم الإسلامي "عالم المرأة"، التي كانت في الأصل ملحقًا لـ "الترجمان ". كانت "عالم المرأة" مجلة أسبوعية علمية وأدبية خاصة، انصب هدفها، في ذلك الحين، على التنمية الروحية للمرأة وتعليمها.
تمت الموافقة في سانت بطرسبرغ على برنامج المجلة للنساء المسلمات المقيمات في القرم، وشمل البرنامج قضايا مختلفة مثل القوانين والأوامر الحكومية والقوانين المتعلقة بالمرأة، والنصائح العملية حول نظافة المنزل والأسرة والأطفال وقضايا الأعمال المنزلية: الخياطة والنسيج، والحرير وقصص حياة النساء في بلدان مختلفة، السِّيَر الذاتية للنساء البارزات في العالم، قصص، رسائل من القراء، اكتشافات علمية، اختراعات، أخبار أدبية، إعلانات والدعاية.
وتجدر الإشارة إلى الطلب على المجلة كان كبيراً، ليس فقط في "وطنها"، ولكن أيضاً في دول اخرى، مثل مصر وتركستان واليابان وحتى في الهند.
لسوء الحظ، كان مصير المجلة مثيراً للحزن. ففي عام 1910 لم يتم نشر سوى 10 أعداد من المجلة، وفي عام 1911 لم يكن هناك سوى 3 أعداد. حاولت شفيقة غاسبرينسكايا في عام 1917 استئناف إصدار المجلة لكن دون جدوى. يمكن رؤية 4 أعداد تاريخية في مكتبة في تركيا و3 نسخ محفوظة في المكتبة الباريسية. هذه هي أكبر المجموعات من المجلة المحتفظ بها من النسخ المنشورة في ذلك الوقت.
بمجرد أن ظهر العدد الأول الى النور من "عالم المرأة "، ولا تزال تفوح منه رائحة الحبر من تحت المطبعة، كان الموضوع الرئيس في حياة شفيقة التي ألقت كل قوتها لحله هو مشاكل النساء، ورغبتها في توحيد النساء المسلمات في جميع أنحاء العالم.
في 1905-1914 ، بدأت التجمعات النسائية في الظهور في كل مكان وأولت جريدة "الترجمان" ومجلة "عالم المرأة" اهتمامًا خاصًا، لإطلاع القرّاء على وضع الإناث في مناطق مختلفة من روسيا، منطقة القوقاز وآسيا الوسطى وأثيرت كثير من الأسئلة مثل الحصول على تعليم النساء المسلمات وإمكانية فتح مدارس خاصة لهن.
شفيقة غاسبرينسكايا هي من اقترحت برنامج عمل لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمدني للمرأة، الذي يتألف من 14 نقطة. تحدثت شفيقة عن ضرورة التخلي عن تلك العادات، التي بحكم وجودها تعد مثالاً واضحاً على إذلال شرف وكرامة المرأة. كما دعت إلى حظر زواج الفتيات دون سن 16 عامًا. لم تتعب شفيقة غاسبرينسكايا من الحديث عن فتح المستشفيات ودور الحضانة والمدارس للفتيات.
بفضل عملها الدؤوب، تم اتخاذ قرار بإنشاء لجنة مركزية للمرأة المسلمة في القرم، كما تمت صياغة الأهداف الرئيسة لأنشطتها، منها، على سبيل المثال، الاعتراف بجميع حقوق المرأة المسلمة ومساواتها بالرجل، والترويج الواسع للأفكار الديمقراطية، ونشر المعرفة اللازمة للمشاركة في الحياة العامة والسياسية، بالإضافة إلى إستقطاب أكبر عدد ممكن من النساء المسلمات للمطالبة الواعية بالحقوق وممارستها في كل من الحياة الأسرية والحياة العامة والسياسية والثقافية والأنشطة التعليمية جبناً الى جنب مع الرجل.
كانت شفيقة غاسبرينسكايا تشير في خطاباتها الى أنه: "يجب أن تكون النساء المشاركات في الحركة النسائية على درجة عالية من التعليم والتسامح، وأن يتمتعن بقلب مُفعم بالحب لأرضهن ولشعبهن". أما بالنسبة لعمل اللجنة، فقد كرّست غاسبرينسكايا كل جهودها في سبيل إدخال حماية الأم والطفل، وتعزيز دخول المرأة المسلمة في جميع مجالات الأنشطة الاجتماعية والخدمية وعقد الفعاليات المختلفة.
في منتصف آب/أغسطس 1917، عُقِد مؤتمر نسائي إقليمي لمدة 3 أيام، في شبه جزيرة القرم، حيث قرأت شفيقة غاسبرينسكايا التقرير وذكّرت بالحاجة إلى دراسة حقوق الفرد في الإسلام من أجل التغلب، بنجاح وفي أسرع وقت ممكن، على التمييز الذي يحدث. وبالفعل تم في تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام انتخاب شفيقة غاسبرينسكايا كمندوبة للمؤتمر الأول لشعب تتار القرم من منطقة يفباتوريا. وأكدت غاسبرينسكايا في حينه على شرورة مشاركة المرأة، وعلى نحو فعّال، في المؤتمر وفي عمله هيئاته ولجانه، مشددة عبر خطابها إلى زملائها بأنه: "من أجل الغد، يجب أن نعمل اليوم".
وفي عام 1918، غادرت شفيقة غاسبرينسكايا شبه جزيرة القرم، بسبب أحداث معينة، وذهبت إلى موطن زوجها، أذربيجان. ومع ذلك، حتى هنا لم تمكث طويلاً، إذ هاجرت عقب وفاة زوجها إلى تركيا، حيث لم تتوقف عن النشاط، وعملت على مساعدة اللاجئين وكرّست نفسها للعمل في "الهلال الأحمر".
في اسطنبول، في عام 1930، أسست شفيقة غاسبرينسكايا اتحاد نساء تتار القرم. وهنا على الأراضي التركية، في عام 1975، غادرت الحياة الدنيا وانتقلت إلى رحمة الله تعالى عن عمر يناهز 88 عاما.
إلميرا جافياتولينا