خانية القرم - دولة قامت في شبه جزيرة القرم - أستمر حكمها ما يقرب من أربعة قرون وقلبت التاريخ الأوروبي رأسا على عقب. شملت حدودها في فترة ذروة قوتها، منتصف القرن الخامس عشر، أراضي منطقة شمال البحر الأسود، ممتدة من منبع نهر دنيستر في الغرب إلى الضفة اليُمنى لنهر الدون في الشرق وحتى نهر فورسكلا في الشمال. عاش على أراضي خانية القرم التتار واليونانيون والأرمن والقُرّائيون والقرمِيون الاصل وفي المدن الساحلية عاش التجار الإيطاليون.
على الرغم من الدور الكبير لخانية القرم في تاريخ أوروبا الشرقية والدولة الروسية، الا أنه حتى الآن لا يوجد أي عمل من شأنه أن يتحدث عن الخانات ويقدم وجهات نظر مهما كانت حول هذه أو تلك من احداث تلك المرحلة .
في هذا الصدد، قرر المؤرخون والباحثون من مختلف مناطق روسيا والدول الأجنبية إعداد ونشر تاريخ تتار القرم والمكوّن من عدة مجلدات، وذلك تحت إشراف معهد شهاب الدين المرجاني للتاريخ وأكاديمية العلوم في جمهورية تتارستان مع مركز القرم العلمي الذي تم تأسيسه في إطار المعهد.
قُدم في قازان المجلد الأول عن تاريخ خانية القرم في الـــ 10 من شباط /فبراير، حيث عزم فريق من المؤلفين على تقييم وبموضوعية للمراحل الرئيسية في تاريخ تتار القرم في القرنين الخامس عشر والثامن عشر، وهو عصر خانية القرم وذلك إستنادا إلى تحليل شامل للمصادر المكتوبة والأثرية والخرائطية والبصرية. ومن بين المؤلفين أشهر الخبراء في مختلف جوانب تاريخ خانية القرم والذين يمثلون أكبر المؤسسات العلمية في كل من روسيا والدول الأجنبية، بما في ذلك بيلاروسيا ورومانيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وأوكرانيا.
بحسب مدير معهد التاريخ التابع لأكاديمية العلوم في جمهورية تتارستان راديك صاليخوف، بدأ الإعتكاف على إعداد وكتابة المجلد عام 2014، عندما تم إنشاء في معهد التاريخ مركز القرم العلمي.
كما أشار صاليخوف خلال تقديم المجدل إلى أن"خلال تلك الفترة بالذات وتحت قيادة رافائيل حكيموف، تم تطوير برنامج البحث الخاص بالمركز، الذي يجب أن يكون تاريخ خانية القرم ومن عدة المجلدات. بالطبع، هذه ليست مهمة سهلة. في السابق، أقمنا عدداً من المؤتمرات العلمية والورش العملية والتي شارك فيها علماء بارزون من بلادنا وباحثون أجانب، طوروا بشكل مشترك مفهوم المجلد. المجلدات التالية تحتاج أيضا إلى دراسة علمية مفصلة".
وفقاً لمدير المعهد، فإن إصدار أحد المجلدات لتاريخ تتار القرم كان نتيجة عمل منظم وعلمي جبار. وأكد راديك صاليخوف على انه كيف عملياً، في الواقع، نرى ظهور أمام أعيننا تاريخ شعب وبشكل مهني".
من جانبه، أشار أستاذ الأكاديمية الروسية للعلوم، نائب المدير العام لمتحف الدولة للفنون لشعوب روسيا والمحرر التنفيذي والمجمع للمجلد، إيليا زايتسيف إلى أن عصر خانية القرم في تاريخ تتار القرم ليس فقط جوهري ولكن رئيسي.
وأوضح زايتسيف بأن"هذا هو العصر الذي تم فيه إرساء أسس التكوين العرقي للشعب، اللغة، الثقافة، الفن والعمارة - وهذا عملياً ما جعل من الناس شعبا. تعد الذكرى عن هذه الفترة، بالإضافة إلى الدين، اللغة، لحظة جوهرية وأساسية بمافي ذلك للتاريخ الحديث. المجلّدات تحمل دلالات قوية ورئيسية، وفي المستقبل العمل سيكون سهلاً، لأن الفريق قد امتلك خبرة في العمل وخبرة في تنسيق وجهات النظر والنصوص المختلفة.
ويجب الإشارة هنا إلى أن المؤلفين حاولوا عرض جميع وجهات النظر في المجلد دون استثناء، وعدم تقريبها إلى نظرة مشتركة. وهكذا تم أخذ جميع الآراء في الاعتبار، كما أُتيحت الفرصة للمؤلفين من مختلف البلدان والمناطق في روسيا لتقديم رؤيتهم عن كيفية تطور خانية القرم منذ بدايتها حتى اللحظة، التي أصبحت فيها شبه جزيرة القرم جزءً من الإمبراطورية الروسية.
ولخص المحرر التنفيذي للمجلد بقوله:"كانت خانات القرم دولة قوية لعبت دوراً كبيراً في تاريخ أوروبا الشرقية والعالم القديم بأسره. لقد كانت دولة متعددة الألحان يعيش فيها ممثلو مختلف الشعوب والثقافات واللغات والأديان. تعدد الأصوات والالحان في القرم، التي يمكننا ملاحظتها حتى الآن، مهمة للغاية بالنسبة للعصور الوسطى. وإذا انتبهنا إلى محتوى المجلد نفسه، فسنجد أن قدراً كبيراً من المواد يركز على الثقافة، سواء كانت الموسيقى أو الهندسة المعمارية أو المصادر المكتوبة أو الأدب أو التعليم أو غيرها. هكذا اُعِيد الإعتبار لخانية القرم من خلال الاهتمام الوثيق في التأريخ بعد ان أحرمت منه لفترة طويلة . آمل أن يؤدي عملنا المتواضع إلى تغيير المفهوم حول إحدى الدول المهمة، ودحض تلك المفاهيم والأساطير الوهمية ليتم النظر إلى خانية القرم بشكل آخر، بأنها كانت دولة متطورة بجميع المؤسسات الاجتماعية وبمستوى عالي من الثقافة، حيث تطورت المجالات المختلفة".
ساهم في إعداد المجلد 48 مؤلفاً. وكما أشار رئيس مركز القرم العلمي التابع لمعهد المرجاني للتاريخ إلدار سيداميتوف، فإن المجلد يتكوّن من 1024 صفحة، منها 844 نصوص. وكذا 68 رسماً إيضاحياً، منها 9 خرائط أصلية لفترات مختلفة من تاريخ خانية تتار القرم.
كما أوضح إلدار سيداميتوف: "لقد اكتسبنا بعض الخبرة. نحن الآن نواجه مهمة كتابة المجلدات، الأول والثاني والرابع والخامس. سيغطي المجلد الأول الفترة من القرن الثالث إلى القرن الثالث عشر والمجلد الثاني - زمن القبيلة الذهبية (القرنان الثالث عشر والخامس عشر) والمجلد الرابع - العصر القيصري والمجلد الخامس - تاريخ القرنين العشرين والحادي والعشرين".
كبير الباحثين في مركز القرم العلمي التابع لمعهد المرجاني للتاريخ غريغوري كوندراتيوك على ثقة من أن إصدار هذا المجلد سيعطي دفعة قوية لمزيد من العمل، موضحاً الآتي:"ستكون إحدى الفترات التاريخية الصعبة في البحث هي تاريخ القرن العشرين. بالنسبة لتتار القرم، تاريخ القرن العشرين هو تاريخ مابين الحربين، الحرب الأهلية والحرب الوطنية العظمى، وكذا مأساة شعب رُحِل من أرضه عام 1944 ، فترة النضال من أجل العودة إلى ديارهم . بالنسبة لعدد من هذه القضايا، لا توجد وجهات نظر مشتركة ثابتة في التأريخ الروسي، ولا يوجد عمل محدد بشكل كامل أو عرض للأحداث من وجهة نظر حركة تتار القرم. مأساة الترحيل هي أيضا قصة معقدة، حيث لا توجد وجهة نظر واحدة حتى في ما يتعلق بعدد الأشخاص الذين تم ترحيلهم.. وعدد الذين فارقوا الحياة أثناء الترحيل".
كما أشار أميت خان شيخوميروف، الكادر في مركز القرم العلمي، إلى أنه للأسف كانت شبه جزيرة القرم على هامش التاريخ لفترة طويلة، وهذا هو السبب في أهمية نشر المجلد الأول من تاريخ تتار القرم، مؤكداً على "أهمية نشر مثل هذا العمل الضخم بمشاركة نشطة من مؤرخي القرم. هذا مثال حي على المشاركة النشطة لتتار القرم في إظهار تاريخهم. وهكذا، نشاهد تاريخ خانية القرم يعود إلى شبه جزيرة القرم بعد إهماله. الآن القرم واحد من مراكز دراسة خانية القرم ، وإن كان ذلك متأخر لفترة من الزمن.
وخلال العرض أعلن دامير إسحاقوف بأن هذا المجلد المعروض عن "خانية القرم" يُقدِم العديد من المقالات حول الثقافة، ويتيح لك الحصول على صورة واضحة عن حضارة التتار في القرون الوسطى .
هذا ويُذكر أنه سيتم إعداد ونشر مجموعة من المجلدات وعددها 5. يعكس المجلد الثالث" خانية القرم" رؤية موضوعية لتاريخ منطقة القرم التتار في العصور الوسطى، وقد تم تحديد اتجاهات واعدة لمزيد من البحث في هذا العصر من تاريخ تتار القرم، والتأكيد على أنه لا يزال يتعيّن العمل على هذه الاتجاهات في المستقبل أيضا.
يوضح الملجد بيانات عن التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي لخانية القرم، فضلاً عن السياسة الخارجية للدولة وهيكلها العسكري ونظام الحكومة والجوانب القانونية والفن والعمارة، بالإضافة إلى الحِرَف والزراعة والعلوم والتعليم وغير ذلك الكثير. سيكون المجلد محل اهتمام المختصين من المؤرخين وعلماء الآثار والمؤرخين في المجال الفني، فضلاً عن جميع المهتمين بتاريخ تتار القرم وكذلك خانية القرم.