القاسيميون التتار، فريدون ليس فقط بتاريخهم، ولكن أيضا بموقعهم الجغرافي - فقد تمكن ورثة القبيلة الذهبية، أحفاد السادة، الذين عشوا في قلب منطقة ريازان، من الحفاظ على دينهم الإسلام والإيمان به، بالإضافة الى بناء العديد من المساجد وتعليم أصول الدين لجميع الراغبين.
والدليل على ذلك هو كتاب الصور الذي نُشر بعنوان " ظلال خانية قاسيموف"، الذي تم تقديمه مؤخراً في مدينة قازان وبحضور نائب رئيس وزراء جمهورية تتارستان، رئيس المجلس الوطني للمؤتمر العالمي للتتار فاسيل شيخرازيف ونائب رئيس الإدراة الدينية لمسلمي روسيا الإتحادية والمدير العام لدار النشر " أقراء"، روشان ابياسوف والمؤرخ، رئيس قسم الثقافة في الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية، رينات أبيانوف والمؤرخ، الصحفي مارات صفاروف. والإثنان الأخيران أصبحا أهم الشخصيات في هذا الحدث، لانهما قاما ببعثات إثنوغرافية وتاريخية إلى مدينة قاسيموف والقرى والمستوطنات المجاورة لها لعدة سنوات. في المجموع، استغرق المؤلفان أربع سنوات، أجرى خلالها رينات أبينوف ومارات صفاروف حوالي 1000 مقابلة. وفقًا لهم، يعيش اليوم 5000 تتاري في منطقة ريازان، منهم 4000 شخص من تتار - المشارة .
قام مؤلفو الكتاب بتقسيم مواد محتوياته بناءً على الأنهار المتدفقة في هذه المنطقة وهي نهر ليا، موكشا و أُوكا. ويلاحظ أنه لم يتم الالتزام بالتسلسل الزمني، ومع ذلك لم يتأثر الانطباع العام للكتاب. والجميل في الكتاب ايضاً من بين الصور المنشورة توجد صور لمساجد اُعِيد بناؤها ومآذن تاريخية رُممت وكذا صور لمقابر المسلمين التتار.
الملاذ الأخير للملكة سؤیومبیکه، تميز رجال الدين و" فيلق السادة "
إذا تعمقنا في التاريخ، فإننا سنعرف أن مدينة قاسيموف قد تأسست عام 1152 على يد يوري دولغوروكي وكانت تُسمى في الأصل مدينة ميشيورسكي. في عام 1376 ، دُمِرت القلعة أثناء الغزو المغولي - التتاري ، ولكن سرعان ما أُعيد بناء مدينة جديدة في نفس المكان، وأُطلق عليها اسم مدينة نيزوفي الجديدة. اما اسم قاسيموف أُطلق على المدينة هذه فقط عام 1471 نسبة الى اسم حاكمها قاسم خان. هنا تبدأ كل الأشياء مثيرة للاهتمام: عندما تشكلت خانات قاسيموف - تتار في منطقة ميششيرسكي، التي أصبحت عاصمتها مدينة قاسيموف، بدأ التتار في النزوح إليها من شبه جزيرة القرم وقازان ومن أماكن أخرى. وأستمرت مملكة قاسيموف في هذه المنطقة لأكثر من 200 عام.
على الرغم من حقيقة أن تتار قاسيموف عاشوا محاطين بممثلي الديانة المسيحية، إلا أن النبلاء ورجال الدين لعبوا دوراً خاصاً في خانات قاسيموف، تميز منهم الخان، الأمراء والوزراء . كما تضمنت الطبقة المُميزة عدة فئات منها شخصيات الوجاهة وأبناء الأمراء والقضاة والقوزاق ( فئة عسكرية ).
كانت فئة رجال الدين من أكثر الفئات الاجتماعية نفوذاً وتكونت من قسمين، المُلاّ والمعلمين. وكان السادة على رأس فئة رجال الدين. ويشار إلى أن السيد كان يترأس فيلقاً عسكرياً خاصاً - " فيلق السادة ".
إذا تحدثنا عن التكوين العرقي لسكان خانات قاسيموف، فقد تكونت من القبائل الفنلندية الأوغرية والتركية التي عاشت على أراضي إقليم مشيرا قبل قيام خانات قاسيموف لفترة طويلة. في وقت لاحق انضم إليهم مواطنين من قازان وأستراخان وشبه جزيرة القرم وسيبيريا وكازاخستان ونوجاي، الذين استقروا في أراضي المملكة خلال القرنين الخامس عشر والسابع عشر.
وكانت هناك موجة نزوح أُخرى الى منطقة قاسيموف بدأت في عام 1552، نتيجة لغزو إيفان الرهيب قازان. وحينها تم نفي آخر حكام " خانية قازان "، الملكة سؤیومبیکه إلى منطقة قاسيموف والتي كانت ملجأها الأخير. في عام 1681، بعد وفاة السلطانة فاطمة قاسيموفا آخر حكام قاسيموف، لم يعد لخانات قاسيموف وجوداً، وتم ضمها الى وحدة الإدارة الروسية في المنطقة. وعلى الرغم من هذا التغيير في الوضع، حافظت المدينة على بهجتها الدينية، من المآذن التي أُقيمت خلال حكم قاسم خان و من المساجد والأضرحة التي بها رُفات خانات التتار حتى يومنا هذا.
في هذا الوقت، الحديث يدور عن القرن السابع عشر، عندما تم تقسيم منطقة قاسيموف إلى 3 أجزاء: جزء قاسيموف المكون من خانات وبيك وجزء ضاحية يامسكايا التي كانت تابعة مباشرة لموسك اما بقية المنطقة بما في ذلك ضاحية مارفينا كانت تدار من قبل كبار القادة العسكرين.
المِجَنّة، المسجد والمدرسة - اين تعلّموا القاسيميون التتار؟
يجب إيلاء اهتمام خاص لمسجد خان، الذي يعود إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكن مئذنته تعود إلى القرن السادس عشر. هذا النصب للعمارة التتارية غير عادي وهو مبنى من طابقين مع قبة على الطراز الكلاسيكي والمئذنة من مستويين على شكل أسطوانة غير مرتفعة تحت قبة مدببة، أُقيمت على قاعدة ضخمة. منذ 1930 في مبنى المسجد أُفتتح متحفاً يحتوي على مواد لتاريخ القاسيميين التتار ويُعرف بأسس العقيدة الإسلامية.
وفقًا للأساطير التي احتفظ بها السكان المحليون ويتناقلونها من جيل لآخر، تم بناء المسجد من قبل أول حاكم في تاريخ خانية قاسيموف، وهو ذاته الأمير قاسم في القرن الخامس عشر. وفقاً لمصادر أخرى، تقريبا وبناء على مؤلفات مؤرخ البلاط قدير علي بي، تم بناء المسجد الإسلامي من قبل شاه علي خان، أي في منتصف القرن السادس عشر تقريباً. لم يتبقى من المبنى القديم الا المئذنة الحجرية حتى يومنا هذا. تم تدمير المسجد المبني من الطوب في عام 1702 بأمر من القيصر بيتر الأول، الذي وفقًا للأسطورة ، أثناء سباحته في نهر أوكا، أدى القيصر طقوسه المسيحية بالمسجد معتبره كنيسة.
في عام 1768، بإذن ومرسوم شخصي من الإمبراطورة كاثرين الثانية تم تشييد مبنى جديد للمسجد فوق أساس المبنى القديم وحتى المئذنة القديمة و بجهود بكتيمير سيد شاكولوف وابنه برخان سيد شاكولوف و إبراهيم مرضي تشانيشيف واخرين من المسلمين في المنطقة. تم الاحتفاظ بالمعلومات حول هذا الحدث الهام بالنسبة للمسلمين التتار من خلال مرسوم الإمبراطورة كاثرين الثانية: "مرسوم صاحبة جلالة إمبراطورية عموم روسيا من مستشارية مقاطعة قاسيموف لمدينة قاسيموف، الضاحية التتارية إلى قائد المئة سيت - بكتيميروف ابن شاكولوف. - في 13 شباط / فبراير 1768 ، في الاقتراح المرسل من معالي اللواء - الركن وحاكم مقاطعة فورونيج أليكسي ميخائيلوفيتش ماصلوف إلى حاكم مقاطعة قاسيموف، مكتوب: جلالة الإمبراطورة ، بموجب مرسومها الشفوي في يوم الثامن عشر من هذا الشهر، وبناءً على طلب مُرضى إبراهيم تشانيشيف و بورهي شاكولوف من مدينة قاسيموف، لبناء مسجد للصلاة للتتار في المدينة ، تُكلف صاحبة الجلالة الإمبراطورة مستشارية مقاطعة قاسيموف، تنفيذ هذا الأمر والتوجيه بالسماح للتتار ببناء هذا المسجد، وتذليل كل العقبات التي تعترضهم، وبناءً عليه فقد تقرر في مستشارية مقاطعة قاسيموف الإعلان عن مرسوم يُسمح لتتار مدينة قاسيموف ببناء المسجد. وعلى شاكولوف إلحاق هذا الأمر بمرسوم صاحبة الجلالة الإمبراطورة. 9 نيسان / أبريل 1768 (رقم 355) ".
المثير للإهتمام أن هناك حجراَ بارزاً فوق مدخل المسجد كُتبت عليه الكلمات التالية باللغة التتارية القديمة : "1182 (1768) بني هذا المسجد في شهر ربيع الأول (يونيو - يوليو): بكتمير سيد ، برها ن سيد ، إبراهيم مُرضى تشانيشيف ، عبد الله مُرضى ، موسى سيد ، مصطفى سيد ، سليمان مُرضى ، تيمير بولاط سيد ، يوسف مُرضى تشانيشيف ، مرتضى سيد ، محمد سيد ، إبراهيم مُرضى مقصوتوف ، يعقوب مُرضى ديفليتجييلدييف ، موسى مُرضى ديفليتجييلدييف ، يوسف مُرضى مقصوتوف ، إبراهيم مُرضى مقصوتوف ، مصطفى مُرضى , تمير- بولاط سيد شاكولوف ".
هناك مكان آخر مثير للاهتمام يجذب انتباه كل من السكان المحليين والمؤرخين في فن عمارته، التي تعود للعصور الوسطى وهو ضريح شاه علي خان، والذي شيد عام 1556 . وهو عبارة عن مبنى مكون من غرفتين من الحجر الأبيض مع أسقف مقببة مبنية من القوالب الطوبية بالإضافة إلى فتحات مقوسة. في المجموع، هناك غرفتان في الضريح: الغرفة الكبيرة هي مكان الدفن، حيث دُفن شاه علي وزوجته وبعض الأقارب، والغرفة الصغيرة ضرورية لقراءة الفاتحة والقرآن الكريم على ارواحهم.
فوق الباب المؤدي إلى الغرفة الكبيرة ، يمكن رؤية نقش من سطرين. السطر الاول : باني هذا الضريح خان شاه علي، ابن الشيخ أوليار. كان وقت بناء الضريح أثناء حياة الخان. النقش الثاني يقول: لا إله في الدنيا إلا الله.
لم يستطع قاسيموف الاستغناء عن المدارس الدينية، التي في داخل أسوارها يتم تلاوة القرآن الكريم دائما، مع التناقل المستمر للمعرفة المتراكمة منذ قرون. لذلك، في عام 1808 ، بمبادرة من إمام مسجد خان، عبد الوحيد دافليكاموف، وبدعم مالي من أبناء الرعية الأثرياء الذين يصلون في مسجد خان، تم إنشاء مدرسة كاستروف. لعب دوراً خاصاً في تطوير مدرسة كاستروف إبن المؤسس فضل الله دافليكاموف والذي أُنتُخب إماماً ثانياً لمسجد خان في عام 1827. كانت هذه المدرسة موجودة سابقا في منزل عائلة دافليكاموف.
يرتبط الاسم غير العادي للمدرسة كاستروف بحقيقة أنه منذ عام 1868 أصبح ممثل عائلة التتار الغنية سيف الله كاستروف وصيًا على المدرسة. في وقت لاحق، واصلت عائلة كاستروف صيانة المدرسة، وبنت المبنى الموضح في الصورة. وكانت العائلة تدفع رواتب المعلمين، حيث كان مدرس المدرسة حسن شمس الدينوف وعائلته على المدى الطويل يعيشون في داخل المدرسة وكان رعاة الفن الآخرون يقدمون مساعدة مالية لإستمرار مدرسة كاستروف.
على مشارف المدينة، يقع ضريح أفغان - محمد سلطان - مجنة أمير خوارزم، ابن عرب محمد - خان أفغان- محمد سلطان. تم بناؤه من قبل حرفيين من مدينة ريازان في أفضل تقاليد العمارة التتارية في عام 1649 بأمر من زوجته ألتين خان، ابنة خوارزم خان، الحاج محمد خان. بعد ثلاث سنوات دفنت هنا ألتين خان.
ضريح أفغان - محمد سلطان هو المجنة الوحيدة الباقية في المقبرة القديمة، حيث دفنت فاطمة سلطان وأرسلان، آخر حكام خانية قاسيموف. في الضريح المكون من غرفتين، تبقت ثلاثة شواهد من أصل أربعة وبخط عربي.
إلميرا جافياتولينا