في 28 آب / أغسطس، 2019، اُفتتح معرض دمشق الدولي الحادي والستين في سوريا، وهو أكبر معرض دولي من هذا النوع في الشرق الأوسط، وتأسس عام 1954. في عام 2017، أي بعد خمس سنوات من التوقف القسري، استأنف المعرض أعماله، واكتسب وظيفة جديدة - جذب الشركات الوطنية والأجنبية للمشاركة في إعادة بناء وتطوير اقتصاد البلد الذي دمرته سنوات الحرب الأهلية. هذا العام، وفقًا للبلد المضيف، سيحضر المعرض ممثلون عن 1500 شركة حكومية وخاصة من سوريا و 38 دولة.
وكانت أجنحة سوريا وإيران هي الاكبر في المعرض و لأول مرة منذ عام 2011، ستزور المعرض وفود من الحكومات العربية - الإمارات العربية المتحدة، التي أعادت العلاقات الدبلوماسية مع دمشق في عام 2018، وكذلك المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. ويمثل الجناح الروسي، الذي تنظمه وزارة الصناعة والتجارة الروسية، 16 شركة من مختلف مناطق البلاد وقطاعات الاقتصاد الروسي.
ساحة الأمويين/CC BY-SA 3.0, Bernard Gagnon
إعادة بناء اقتصاد البلاد - أولاً وقبل كل شيء تبداء من إستعادة البنية التحتية ، الطرقات والقدرات الإنتاجية - وهذه واحدة من المهام ذات الأولوية التي أعلنتها القيادة السياسية في سوريا.
وتعتزم روسيا المشاركة بنشاط في هذه العملية ، وهذا هو السبب في إعلان الحكومة وقطاع الأعمال عن مجموعة واسعة من المجالات الرئيسية الواعدة للتعاون: استكشاف وإنتاج النفط والفوسفات والغاز والطاقة والمعدات الكهربائية والزراعية والمنتجات المعدنية ووسائل النقل ، بما في ذلك منتجات السيارات وعربات القطارات و النقل البحري والمعدات اللازمة لبناء وإصلاح الطرق والسكك الحديدية والبنية التحتية لوسائل النقل الجوي والسياحة والعقارات.
شكلت العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة من جانب واحد عقبة أمام الشركات الأجنبية المهتمة بالاستثمار ومزاولة التجارة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية في سوريا. موقف واشنطن وأيضا بروكسل ، يتمثل في انعاش الاقتصادي السوري فقط بالتزامن مع الإصلاحات السياسية. وفي هذا السياق ، فإن مسألة رفع العقوبات ، التي لها تأثير مدمر ليس فقط على جميع جوانب حياة المواطنين العاديين ، بل يعقد عملية إعادة اللاجئين والمشردين إلى البلاد، وهذا بشكل مباشر يعمل على عدم رغبة دمشق تقديم اية تنازلات سياسية أو على عدم تنفيذ الشروط اللازمة للاصلاحات السياسية.
سوق الحميدية/ CC BY-SA 3.0, Bernard Gagnon
في هذه المرحلة ، تكمن الميزة الإيجابية للأعمال التجارية الروسية بانها غير مرتبطة بالسياسية وروسيا مستعدة لتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين على أساس غير مشروط بما يحقق المنفعة المتبادلة والسلم الاجتماعي. في هذا الصدد، على المدى المتوسط، إيران فقط تمتلك هذه الميزة في السوق السورية، مما يجعلها شريكًا، و أيضًا منافسا قويا لروسيا في سوريا.
في مسابقات معرض دمشقي لعام 2019، التفوق الكمي للشركات الإيرانية على جميع المشاركين الأجانب الآخرين لا يمكن إنكاره وكان واضحا (أكثر من 60 شركة)، لكن على المدى الطويل وحتى المتوسط لا يبدو ذلك مستقرا وثابتًا، في حين أن إمكانيات الوجود الاقتصادي الروسي في سوريا قد ينمو عدة مرات.
وقد يصبح التعليم هو المحرك الرئيسي لنمو القطاع الاقتصادي، باعتباره الصناعة الأكثر أهمية، وهو المسؤول ليس فقط عن التربية والتنوير، ولكن أيضًا عن تدريب الموظفين المحترفين على تلبية احتياجات الانتعاش الاقتصادي والتنمية في البلاد.
على الرغم من الخسائر الفادحة التي تعرض لها السوريون خلال سنوات الحرب، وملايين اللاجئين، فإن سوريا تشهد نمواً سكانياً ثابتاً بسبب الزيادة الطبيعية الناجمة عن ارتفاع معدل الإنجاب. بحلول عام 2022 ، وبسبب هذا العامل وحده ، يمكن لسكان البلاد أن يصلوا إلى مستويات ما قبل الحرب . يعد الحصول على تعليم جيد وبتكلفة معقولة عنصراً هاماً في عملية إعادة تأهيل الشباب وتنشئة المجتمع ، فضلاً عن ضمانة قوية لمشاركته في عملية الانتعاش الاقتصادي والاهتمام بصون السلام ومنع تكرار الحرب في سوريا.
الحرب في سوريا دمرت نظام التعليم في المدارس الحكومية ، مما أجبر الآلاف من تلاميذ المدارس على إيقاف دراستهم ، ولم يلتحق العديد من "أطفال الحرب" بالمدرسة مطلقًا. ونتيجة الحرب ، كانت الخيام والحافلات في مخيمات النازحين عبارة عن مدارس، أنشأها المتطوعون والمدرسون أنفسهم، المهتمين بمستقبل الجيل الأصغر سناً وليس آباءهم. على هذه الخلفية، في عام 2014، تم إعتماد اللغة الروسية كلغة أجنبية ثانية إلى جانب الفرنسية في برنامج المؤسسات التعليمية السورية.
في عام 2018، تم افتتاح المركز الروسي في جامعة دمشق. تدعو القيادة السورية إلى نشر مراكز اللغة في جميع أنحاء البلاد والتي يمكن أن تجعل تعلم الروسية متاحًا للأطفال والكبار. في المستقبل المنظور، يوفر هذا فرصًا غير مسبوقة للأعمال التجارية الروسية والترويج لها في سوريا، والتي لا تملكها روسيا في أي بلد آخر في الشرق الأدنى والشرق الأوسط. إن التغلب على حاجز اللغة سيتيح لخريجي المدارس السورية ليس فقط دخول الجامعات الروسية، ولكن أيضًا العمل بحرية مع الشركاء الروس في سوريا نفسها.
في العام الدراسي 2018-2019، خصصت وزارة التعليم الروسية 500 منحة لتدريب السوريين في الجامعات الروسية في التخصصات المختلفة. خلال هذا الوقت، اجتاز أكثر من 240 ألف طالب في المدارس الثانوية من مختلف المحافظات السورية امتحاناتهم للحصول على شهادة، وبالتالي فإن عدد المتقدمين سيزداد من سنة إلى أخرى. وتجري عملية إستعادة العلاقات بين الجامعات السورية والروسية، ويجري إعداد خطط للتعليم والتبادل الطلابي والتعاون في مجالات البحث والعلوم بما فيها التطبيقية. يعد إتقان اللغة الروسية مكونًا مهمًا للتدريب في معظم الجامعات الروسية، وهو أيضًا مساعدة جادة في نشرها وتقويتها في بيئة الأعمال في المجتمع السوري بعد عودة الطلاب السوريين إلى وطنهم.
في ظل هذه الخلفية، للأسف ، إمكانيات التعليم المهني الثانوي الروسي، والتي تظهر زيادة مطردة في مؤشرات الجودة والاستعداد لإتقان معايير جديدة وأساليب التدريس في السنوات الأخيرة، لا تقدر كما يجب، ولكنها مطلوبة.
في بطولة العالم الخامسة والأربعين للمهارات WorldSkills International المهنية للمنظمة الدولية غير الهادفة للربح، والتي عقدت في قازان في الفترة من 22 إلى 27 آب | أغسطس 2019، أظهر المشاركون من روسيا أعلى مستوى من المهارة، وأظهرت الكليات الروسية القدرة على تدريب الكوادر المهنية ذات المستوى العالمي لتلبية احتياجات قطاع التصنيع الحقيقي وهذا المطلوب في سوريا في سياق الانتعاش الاقتصادي.
في المرحلة الحالية، عندما يأتي الاقتصاد والمكونات الإنسانية في المقدمة، تحتاج روسيا إلى تطوير إستراتيجية شاملة على مراحل لتعزيز السوق السورية، وذلك أولاً وقبل كل شيء باستخدام تنافسها الاستراتيجي من خلال الميزة تعليمية. إن أحد أعمدة وضمان التعاون طويل الأجل بين روسيا وسوريا، والذي يحقق مجموعة واسعة من الأهداف والاحتياجات لكلا الطرفين في جميع قطاعات الاقتصاد، يمكن أن يكون التعاون في مجال التعليم والتدريب. في سياق النمو السكاني، مع الأخذ في الاعتبار التجربة التاريخية والقاعدة الاجتماعية الحالية، قد يصبح سوق الخدمات التعليمية في سوريا في أقصر وقت ممكن أحد الأسواق الأكثر رحابة وسرعة النمو، وبالتالي يعد بالخير.
ولهذا يمكن لعناصر مثل التعليم المبتكر والتعليم عن بعد عبر الإنترنت أن تكون الخطوة الأولى لمواصلة تعزيز النظام التعليمي الروسي في بلدان الشرق الأدنى / الشرق الأوسط وأفريقيا.
غريغوري لوكيانوف - محاضر بقسم السياسة والإدارة في المدرسة العليا للعلوم الاقتصادية وباحث بمركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الاستشراق، خبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية .
الصورة: (Aaron Burden (Unsplash), Jaredd Craig (Unsplash