Ru En

البحث عن مصدر فيروس كورونا

٢٣ أبريل ٢٠٢٠

فلاديمير بيتروفسكي، دكتور في العلوم السياسية، عضو فاعل في أكاديمية العلوم العسكرية، عضو في معهد الشرق الأقصى في أكاديمية العلوم الروسية.

يبدو أن دبلوماسية كورونا قد انتهت، وطويت صفحة الدفىء في العلاقات بين زعيمي الولايات المتحدة والصين التي شهدناها عبر الاتصالات الهاتفية بداية أزمة كورونا،  والتي كان يعرب فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن امتنانه للزعيم الصيني شي جين بين، وعن ثقته بتعاون البلدين لمكافحة فايروس كورنا.

الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوربية أطلقوا بالتوازي حملة سياسية وإعلامية في محاولة لأتهام الصين بأنها تقف وراء جائحة كورونا.


وقد سُمِعَت في مجلس الشيوخ الأمريكي دعوات لدراسة الظروف التي ظهر فيها فيروس كورونا، وتحديدا دور الصين ومنظمة الصحة العالمية في انتشار هذه العدوى. يرى البعض في واشنطن أنه تم التعتيم على المعلومات الأولية المتعلقة بحجم انتشار المرض، وأن بكين شأنها شأن منظمة الصحة العالمية لم تتخذ الإجراءات الضرورية للحد من انتشار الوباء. وقد انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عمل منظمة الصحة العالمية عندما ذكر بأن الولايات المتحدة هي الممول الرئيس للمنظمة التي ينصب اهتمامها على الوضع المتعلق ب COVID-19 في الصين.


أما منظمة الصحة العالمية، وهي إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة (وهي كغيرها تعمل في إطار ميزانيات محدودة وتعتمد على أموال الدول المانحة وأموال بعض من الجهات الخاصة) - فاتهامها أشبه بنقل العلة من المريض إلى الصحيح.


إن قرارات منظمة الصحة العالمية غير ملزمة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولا تقوم المنظمة سوى بتقديم النصائح وتنسيق الجهود المشتركة للدول الأعضاء فيها. وكما أشارت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، فإن اثنين من معاوني المدير العام للمنظمة مواطنين أمريكيين، وهناك مواطنون أمريكيون في جميع أقسام المنظمة. وكذلك في لجان الخبراء بما فيها اللجنة الطارئة، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن المنظمة، خاصة وأن الدور الهام الذي تلعبه المنظمة بتنسيق الجهود مكتوب في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي البيان الختامي لمجموعة دول ال G20 والولايات المتحدة إحدى هذه الدول.


يبدو أن الرئيس الأمريكي قد فهم أن الجائحة ستكون تلك «البجعة السوداء» في حملته الانتخابية وفعلا بات يبحث عن المذنب. كما أضحى معلوما مؤخرا أن الاستخبرات الأمريكية كانت على علم بانتشار العدوى في مدينة ووهان الصينية منذ نوفمبر تشرين الثاني 2019. حيث كشف تقرير سري صادر عن المركز الوطني للاستخبارات الطبية الأمريكية (National Center for Medical Intelligence, NCMI) كشف عن انتشار العدوى في هذه المدينة الصينية، والتي غيرت نمط حياة الناس المعتاد فيها وأثرت على النشاط الاقتصادي فيها.


سؤال يطرح نفسه: هل وصلت هذه المعلومات إلى مكتب الرئيس الأمريكي (علما أنه منذ الحادي عشر من سبتمبر 2011، مؤسسات الاستخبارات الأمريكية لم تتعلم بعد تزويدَ الرئيس بالمعلومات) وعليه قد يكون الجواب على السؤال بالنفي. وإن كان الجواب ب «نعم»، فلماذا لم يتصرف سيد البيت الأبيض بناء على هذه المعلومات بالطريقة الأنسب؟
في هذه الأثناء، يتحدث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن حق الولايات المتحدة «بطرح الأسئلة اللازمة على الصين» ويطالب بالسماح للخبراء الأمريكيين الدخول إلى معهد الأمراض المعدية في ووهان للتأكد من إمكانية تسرب الفيروس من مختبراته.


وتحذو حذوه العواصم والمدن الأوروبية، تنادي لندن وباريس وبون بضرورة دراسة الأسباب التي أدت إلى انتشار الجائحة بعد زوالها، وستوجه الأسئلة إلى الصين كما صرح أخيرا بنبرة تهديد وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب. حيث اعتبر أنه سيكون «من الواجب استخلاص العبر من هذه الدروس»، ومعرفة أسباب انتشار فيروس كورونا.
وقال «سوف نطرح أسئلة صعبة» على الصين حول مصدر الفيروس. ويبدو أن وزارة الخارجية البريطانية التي تدربت على «قضية سكريبال» قررت أن تلجأ إلى أسلوب «من المرجح جدا» (highly likely) وتضعه في ترسانتها الدبلوماسية.


المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية جاو ليتسزيان في معرض تعليقه على المنشأ الاصطناعي للفيروس قال إن هذه النظرية غير مدعومة بأي دليل. أما وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف فقد دعى الشركاء الدوليين إلى الامتناع عن محاولات تسييس موضوع عدوى فيروس كورونا وكذلك عدم تسييس موضوع منظمة الصحة العالمية على خلفية الجائحة.


يدور الجدل حول منشأ فيروس كورونا في الأوساط العلمية منذ أشهر. حيث يعتبر بعض العلماء الغربيين فعلا أن منشأه اصطناعي، بينما يعتبر يوان جيمين مدير معهد ووهان للأمراض المعدية، وهو رئيس قسم ووهان في أكاديمية العلوم الصينية في نفس الوقت، يعتبر أن خصائص الفيروس الجديد تضحد نظرية المنشأ الاصطناعي، حيث أن فيروسا كهذا لا يمكن أن يصنع لا في الصين ولا في أي دولة أخرى، حيث أن البشرية لم تصل إلى ذلك المستوى من المعرفة لإنتاج فيروس ذات خصائص شبيهة بخصائص فيروس .COVID-19


البحث عن مصدر فيروس كورونا وطرق انتشاره أمر طبيعي، إن كان الحديث يدور خارج نظرية المؤامرة وفي إطار الدلائل والإثباتات العلمية.
وكما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: «يجب القيام بهذا العمل، لكن بالتجرد من العواطف وبرأس بارد وبمقارنة الحقائق وبطريقة تخدم مصلحة الفهم الصحيح لمنشأ الأزمة لاستخلاص العبر للمستقبل، ولكي نكون مستعدين بشكل أفضل لأوبئة محتملة في المستقبل بدلا من البحث في سيل المعلومات عن ما يمكن أن يسيء لسمعة منافسك».


تصعب إضافة أي شيء على هذا الكلام، باستثناء أن دبلوماسية «من المرجح جدا» قادرة على توجيه ضربة قاضية على الثقة المتبادلة في العلاقات الدولية، وعلى تدمير أسس النظام العالمي.


وينصح كاتب هذه المادة الذين يفضلون توجيه الاتهامات الخالية من أي اثباتات ودلائل، ينصحهم بنظرية المؤامرة الواردة في هذه النكتة: «في الواقع، الكلاب هي من طورت فيروس كورونا، كي لا ينسى أصحابها من اصطحابها في نزهة كل مساء» في إشارة إلا أن أصحاب الكلاب يسمح لهم للخروج من المنزل كل مساء لاصطحاب كلابهم كي قضي حاجتها في ظل نظام العزل في العالم.

Photo: Pete Linforth/Pixabay