يقع ضريح أبو عيسى محمد الترمزي، الشخصية المهمة في تاريخ الإسلام، في الشمال الغربي من ترمذ ( جنوب أوزبكستان)، بالقرب من مدينة شراباد. خلال 30 عامًا، ترحّل حول العالم الإسلامي، وجمع الحديث الشريف في كتاب واحد. قبره ليس مثيرًا للدهشة والإعجاب كما قد يتوقعه المرء لعالم إسلامي بارز في الحديث الشريف، لكن العديد من المسلمين يجتمعون هنا بانتظام لتكريم ذكرى الإمام الترمذي ودوره العظيم.
يقع المجمع المعماري لضريح الحكيم الترمذي في الشمال الغربي من حصن الترمذ، الذي شيّد خلال قرون. هذا المكان المهجور عمليًا في الجزء الغربي من ترمذ القديمة هو قبر عالم القرن التاسع، مؤسس طريقة الدراويش الحكيمية أبو عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي، وهو الراعي الروحي للمدينة القديمة.
وفقًا لكتاب الشيخ عبد الفتوح باراك المصري، عاش الترمذي حياة طويلة وتوفي عن عمر يناهز 115 عامًا في ترمذ عام 932. دفن الإمام في حصن الترمذ الذي يعود إلى القرون الوسطى. بعد فترة، فوق قبر العالم الإسلامي الترمذي تم صرح ضريح، والذي سرعان ما أصبح أحد أكثر الأماكن شعبية للزيارات ليس فقط لمسلمي المنطقة، ولكن أيضًا للمقيمين من الدول الإسلامية الأخرى، حيث جميعهم ينحنون أمام قبر عالم الحديث الشهير.
في القرن التاسع عشر، في موقع المعبد، تقرر تشييد مبنى من الطوب الترابي بأربعة قباب. تم العثور في الضريح على مكان الدفن، وعلى قبر أبيض منقش منحوت من ثلاث طبقات بفن ومهارة. في نهاية القبر نقش على مرمر "باسم الشخص الذي يُثنى عليه. هذا هو الشيخ الإمام والعالم الصالح أبو عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي رحمه الله. كان أعظم السادة، صاحب بلاغة، كتب أعمالاً معروفة للجميع، وعبّر عن أفكار مهمة. كان من أصدقاء أبي عبد الله البخاري صاحب جمع صحيح، رحمه الله. وكان الشيخ الأفضل في دراسة الشريعة، أفضل من الحنفية رحمه الله. مات حفظه الله عام 255/896".
في وقت لاحق، تم تغيير الشكل. تم هدم المبنى الرئيسي للضريح وشيدت جدران جديدة على الاساس. كما أعيد بناء المبنى المجاور على الجانب الشرقي. تم بناء كل منهم على منصة معدة خصيصًا سلفا. تم ترك مكان ضيق وعمودي " قارئ خان" تحيط بالضريح بأكمله، مما جعل من الممكن سماع صوت "القارئ" وهو يقيم صلاة الجنازة. تم ربط القبور بفتحة مقببة واسعة، والأسوار متصلة بجدار الصومعة الصوفية القديمة. تقع جميع المباني الملحقة جنوب دير الصوفي. تم توفير المياه من خلال أنابيب خزفية. وبنفس الطريقة تم توصيل الطعام للمقيمين والحجاج.
في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، تم إجراء العديد من أعمال الترميم والدراسات، وتمت استعادة الشكل الأوّلي للضريح في الثمانينيات من القرن الماضي. في عام 1990 احتفلت اليونسكو بالذكرى السنوية الألف للترمزي وتم إعادة بناء ضريحه.
أظهرت الدراسات أن الضريح، الذي يشغل مساحة غير كبيرة (حوالي 590 مترًا مربعًا)، كان من أكثر المعالم الأثرية تعقيدًا في العصور الوسطى من حيث عدد المباني، التي تم تشييدها واحدة تلو الأخرى على مر القرون، وهي تتألف من حجارة البناء والطوب اللبني، ويتخللها العديد من القبور والفخار والأدوات المنزلية المزخرفة. تقلبات التضاريس وإعادة البناء والإصلاحات هنا يمكن ان تخبرنا الكثير عن تاريخ المكان. العجيب أنه قبل كل المباني هنا كان يوجد معبد بوذي. من البقايا المحفوظة هنا - قواعد أعمدته، وبقايا من أجزاء مصنوعة من الطوب وبقايا قنوات المياه والخزف المنزلي في الفترة الكوشانية.
منذ الحصول على الاستقلال، استمر العمل على تحسين وترميم النصب التذكاري لهذه الثقافة الفريدة. ساهم الحرفيون من جميع أنحاء البلاد في ترميم المجمع المعماري القديم. كان العمل مكثّف وجبّار، حيث كان من المهم الحفاظ على المظهر الحقيقي الاول. وبناءً على النتائج، تمت استعادة المظهر والشكل الحقيقي للضريح، تم توسيع وتحسين الأراضي المجاورة للضريح بشكل كبير، كما تم تركيب إضاءة خاصة، وزرع الأشجار والزهور. وهكذا، تم استكمال النصب المعماري القديم ولُوّن بألوان جديدة. كل هذا يسمح لك بالتعرف على تاريخ هذه المنطقة بشكل أفضل، الذي أثار دائمًا اهتمامًا كبيرًا في جميع أنحاء العالم. تم بناء المجمع على أراضي المتحف، حيث تُعرض القطع الأثرية المُكتشفة خلال الحفريات الأثرية التي أُجريت بالتزامن مع أعمال الترميم.
الترمذي
كان أبو عيسى، محمد بن عيسى السلمي الضرير البوجي الترمذي (824 - 8 أكتوبر 892)، غالبًا ما يُشار إليه فقط باسم الإمام الترمذي، عالمًا إسلاميًا وجامعًا للأحاديث، كتب الجامع الصحيح ( المعروف باسم "جامع الترمزي"). واحدة من مجموعات الأحاديث الستة الشرعية عند السنة. كما كتب "الشمائلية المحمدية" (المعروفة باسم "شمائل الترمذي")، وهي مجموعة من الأحاديث تخص شخصية وصفات سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ولادته
وُلد محمد بن عيسى الترمذي في عهد الخليفة العباسي المأمون، ويُذكر أنه ولد عام 209 هـ (824-825)، علماً أن الذهبي يقول إن الترمذي وُلد حوالي في عام 210 هـ (825-826). ومع ذلك هناك بعض التناقضات بين الباحثين حول التاريخ الدقيق لميلاد الترمذي، إذ تشير بعض المصادر إلى أنه ولد في مكة، في حين يدعي آخرون أن مسقط رأس العالم هو مدينة ترمذ، التي تقع على أراضي أوزبكستان الحالية، في أقصى الجنوب (على وجه التحديد، قرية بوج). هذا هو الإصدار الذي يعتبر أكثر موثوقية (وهذا ليس من المستغرب، لأن نسبه هما الترمذي والبجوي).
دراسة الحديث
بدأ الترمذي دراسة الحديث في سن العشرين. وفي عام 235 هـ (849-850م) بدأ رحلته عبر خراسان والعراق والحجاز ليجمع الأحاديث. في ذلك الحين، كانت خراسان، مسقط رأسه، مركزًا رئيسيًا للتعلم، حيث يعيش عدد كبير من المحدّثين. وشملت مراكز التدريب الرئيسية الأخرى التي زارها الترمذي مدينتي الكوفة والبصرة العراقيتين.
سجّل الترمذي 42 حديثًا من معلمي الكوفة. في كتابه "الجامع"، أو ما يُعرف بـ "سنن الترمذي"، استخدم العالم فيه رسائل من معلمين في الكوفة أكثر من رسائل العلماء من أي مدينة أخرى.
كان الترمذي تلميذًا للبخاري الذي أقام في خراسان أيضًا. كتب الذهبي عن الترمذي أنه: "تلقّى علمه في الحديث من البخاري.". ذكر الترمذي في كتابة الجامع اسم البخاري 114 مرة. كان كتاب التاريخ للبخاري مصدره الرئيسي عندما لفت الترمذي الانتباه إلى التناقضات في نص الحديث أو مرسليها أو حامله، واعتبر أن البخاري الشخص الأكثر دراية في كل من العراق أو خراسان في علم التناقضات في الحديث.
وبالإشارة إلى أحكام الفقهاء، اتبع ممارسة البخاري دون أن يذكر اسم أبي حنيفة. وبما أنه لم يتلق قط سلسلة موثوقة من الرواة لذكر مراسيم أبي حنيفة، فقد نسبها إلى "بعض الناس من الكوفة".
كما قّدر البخاري الترمذي تقديراّ كبيراّ، ويُذكر في هذا الشأن قوله في الترمذي: "لقد تلقيت منك أكثر مما لديك مني"، وذكر في صحيحه حديثين من الترمذي، وروى الترمذي عدة أحاديث من أبي داود وواحد من مسلم، كما روى مسلم حديث من الترمذي في صحيحه الخاص.
يذكر المستشرق الهولندي أرند جان فنسنك أحمد بن حنبل كأحد معلمي الترمذي. ومع ذلك، إذا لجأت إلى مصادر موثوقة، يمكنك معرفة أن الترمذي لم يذهب إلى بغداد، ولم يحضر محاضرات أحمد بن حنبل. علاوة على ذلك، فإن الترمذي لم ينقل الأحاديث مباشرة من أحمد بن حنبل إلى كتابه الجامع، علماً أن بعض معلمي الترمذي قاموا بتدريس البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي.
الوفاه
بحسب الذهبي، أصبح الترمذي كفيفًا في العامين الأخيرين من حياته، ويُقال أن العمى كان إما بسبب بكائه من مخافة الله، أو بسبب موت صديق مقرّب للبخاري. توفي الترمذي ليل الاثنين 13 رجب 279 هـ (الأحد 8 أكتوبر 892 م) في بلدة ترمذ، ودُفِن في ضواحي شيراباد، على بعد 60 كيلومترا شمال مدينة ترمذ. يُعرف موطنه ترمذ بإسم أبو عيسى الترمذي أو "ترمذ أوتا" ("والد ترمذ").