للمرة الثالثة، استضافت مدينة قازان المؤتمر العلمي الدولي لمدة يومين، والذي يُعقد تحت عنوان "لاهوت الأديان التقليدية في الفضاء العلمي والتعليمي لروسيا الحديثة". المنظم الرئيسي للمؤتمر هو جمعية المنظمات التربوية "الرابطة العلمية والتعليمية اللاهوتية". منظمو المؤتمر - المعهد الإسلامي الروسي، المنظمون المشاركون - الإدارة الدينية لمسلمي جمهورية تتارستان، وأبرشية قازان التابعة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ومدرسة قازان الأرثوذكسية اللاهوتية وبمساعدة صندوق دعم الثقافة والعلوم والتعليم الإسلامية.
التربية الدينية ومنع التطرف
أصبح عقد المؤتمرات اللاهوتية في قازان تقليداً حميداً. جاء ذلك في كلمة ترحيب المطران هيلاريون من فولوكولامسك، رئيس الرابطة العلمية والتعليمية اللاهوتية، التي تلاها أمام المشاركين في هذه الندوة الدولية ديمتري شمونين رئيس المجلس العلمي للرابطة العلمية والتعليمية اللاهوتية.
وجاء في تحية المطران: "تتارستان هي أهم منطقة في البلاد من حيث الإمكانات الإقتصادية والثقافية. قازان مكان مقدس لجميع الديانات التقليدية في روسيا. هنا، في الجمهورية، عاش ممثلو الثقافات والأديان المختلفة بسلام لقرون، مما أظهر مثالًا على التمسك بالقيم الروحية".
كما جاء في كلمة الترحيب بالمشاركين في المؤتمر عن أهمية تطوير التعاون بين الأديان في البيئة العلمية والتعليمية. "يلعب التعليم الديني دورًا مهمًا في منع التطرف والتعليم الأخلاقي لجيل الشباب الناشئ وترسيخ القيم الأخلاقية التقليدية لشعوب بلدنا في المجتمع.
كما أشارت غالينا تيوبليخ، المديرة التنفيذية لـلرابطة العلمية والتعليمية اللاهوتية، إن الجمعية توحد 70 جامعة ومدرسة دينية روسية رائدة، بما في ذلك المعهد الإسلامي الروسي في قازان. وقالت:"من سنة إلى أخرى يصبح المنتدى أكثر إشراقاً وأقوى وأكثر تشويقاً. نحن نحاول إدخال المزيد من القضايا المهمة والموضوعية على جدول الأعمال والخروج بأشكال جديدة. يجب أن نفهم أن علم اللاهوت كفرع علمي من علوم المعرفة حديث العهد، لكنه يتطور. لذلك، تظهر المزيد والمزيد من الأسئلة الجديدة، بما في ذلك البحث والمنهجية وغيرها. أما بالنسبة للتحديات العالمية، فإن موضوع المؤتمر قد حددها بالفعل - حوارات بين الأعراق والأديان والثقافا وتخفيف التناقضات ومنهج لفهم مشترك للاهوت كعلم. لقد عاد اللاهوت اليوم إلى الفضاء التعليمي العلماني، لكنه يتطلب تجربة معينة، لأن العلم، كما أكرر مرة أخرى، جديد".
"روسيا موطن كبير للعديد من الشعوب والجماعات الدينية"
يشارك ممثلو الديانات التقليدية في روسيا أيضًا بنشاط في المؤتمرات اللاهوتية. وهكذا، في تحيته، أشار مفتي جمهورية تتارستان كميل ساميغولين إلى أن اللاهوت الإسلامي المحلي يجب أن يقوم أساسًا على تراثه وتقاليده اللاهوتية التي كانت موجودة منذ 11 قرنًا على أراضي روسيا: "ترك أسلافنا تراث روحي لا يقدر بثمن بالنسبة لنا ومهمتنا هي دراسته وفهمه ونشره وتعزيز الاهتمام به بين الشباب".
كما ذكّر مفتي تتارستان المشاركين في المؤتمر بأن الجمهور الروسي سيحتفل العام المقبل بالذكرى 1100 لاعتماد الإسلام في بولغار الفولغا دين الدولة. "هذا التاريخ المهم هو دليل على أن الإسلام دين السلام الذي يعتنقه السكان الأصليون في وطننا المتعدد القوميات. وبالتالي، من المستحيل فهم جوهر المجتمع الروسي متعدد الطوائف دون مراعاة مكونه الإسلامي".
وفقًا لرئيس الإدارة الدينية لمسلمي تتارستان، فقد ولّد تاريخ الإسلام الممتد لقرون في روسيا ظاهرة فريدة على نطاق عالمي - عقلية المسلمين الروس.
وأوضح كامل ساميغولين "كوننا في ملتقى الثقافات والحضارات، فإن التراث الروحي الغني والمشاركة الفعالة في تنمية الاقتصاد الروسي يخلقان الشروط المسبقة لمسلمي بلادنا ليصبحوا إحدى المجتمعات الرائدة في العالم الحضاري الإسلامي الحديث. كانت الأمة التتارية تاريخياً واحدة من أكثر الشعوب الإسلامية تقدمًا، وقدمت مساهمة لا تقدر بثمن في تطوير الثقافة الإسلامية العامة".
كما لفت المفتي في كلمته انتباه الجمهور إلى حقيقة أن الهوية المدنية والوعي الذاتي القومي مفهومان لا ينفصلان. ولخص المفتي كلمته "لا ينبغي لأي شخص أن يشك في أن روسيا هي موطن كبير للعديد من الشعوب والجماعات الدينية الذين دافعوا دائمًا عن بلادهم بشكل مشترك وبنوا الدولة الروسية وطوروا فضاءها الاقتصادي القوي. التفاهم المتبادل بين الشعوب هو الأساس الذي تقوم عليه رفاهية روسيا. هذا يحتاج إلى تفسير ليس فقط في المؤسسات الدينية ولكن أيضًا في المؤسسات التعليمية العلمانية. أنه من المهم للغاية تطوير مثل هذه النظرة للعالم بين الجميع، بغض النظر عن القومية والانتماء الطائفي".
كما أيد كلام المفتي رئيس معهد قازان اللاهوتي، الأب فلاديمير، الذي تلا تحية مطران قازان وتتارستان كيريل والتي جاء فيها: "في السنوات الأخيرة، قامت الدولة والمجتمع المدني بتنفيذ عدد من الإجراءات لتطوير علم اللاهوت كعلم وتعليم. اليوم، في بيئة جيوسياسية صعبة، يتسم إنشاء نظام تعليم لاهوتي حديث وعالي الجودة في روسيا بأهمية خاصة. اللاهوت مدعو لتحقيق وظيفة أيديولوجية وتعليمية للمساهمة في فهم القيم الدينية والأخلاقية لشعوب روسيا والحفاظ عليها".
وأضاف الأب فلاديمير"نحن نتفهم قيمة حسن الجوار والسلام والوئام بين ممثلي الدول والأديان المختلفة. لقرون، كانت هذه المبادئ بمثابة أحد أسس الدولة الروسية، وساعدت الأجداد على تطوير البلاد معًا والمضي قدمًا في الاقتصاد والعلم والثقافة. إنني على يقين من أن مثل هذه المبادرات تعمل على توطيد مجتمعنا والمساهمة في تبادل مفتوح ومثمر للخبرات".
"روسيا تتبوأ مكانة عالية بقلوب المسلمين في كل العالم"
وكان من بين الضيوف الفخريين في الجلسة العامة لمؤتمر اللاهوت أستاذ في الدراسات العربية والإسلامية، عميد جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية خالد اليبهوني (الإمارات). ووفقاً له، فإن الحوار حول الآراء والمذاهب المختلفة والحوار بين الأديان ليس غريباً على الدول العربية. وقال الضيف من الإمارات: "منذ الأزمنة البعيدة، منذ اليوم الذي بدأ فيه انتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية، نرى كيف أثر السكان المحليون على الثقافات الأخرى". وأضاف، أن مثال الإمارات العربية المتحدة في هذه المسألة من المؤشرات: يعيش في الدولة ممثلو أكثر من 200 قومية مختلفة وجميع الطوائف ممثلة. وهكذا، عزز الوعي في المجتمع الإماراتي بأن الحوار بين الثقافات والأديان هو مفتاح التعايش السلمي.
لدعم أقواله بالاثبات، تحدث عن "الاتحاد الجديد للأتقياء"، الموقع وثيقة تأسيسه في عام 2019 أكثر من 100 ممثل عن الأوساط السياسية والثقافية والعلمية والدينية. ومن المثير للاهتمام أن إحدى النقاط تقول إن الناس،على الرغم من الاختلافات في اللغات والأديان ولون البشرة والعرق، متحدون بحقيقة أن الله تعالى هم من خلقهم.
وبشكل خاص، أوردُ مثال كروسيا، دولة متعددة الطوائف، حيث تعيش كل الثقافات في سلام وانسجام طوال تاريخ وجود البلاد. وتأكيداً على ذلك، قال الضيف الإماراتي" ليس من المستغرب أن تشغل روسيا مكانة رفيعة بقلوب المسلمين في العالم. كما أضاف خالد اليبهوني أن كل دين يدعو إلى الرحمة والسلام والأمن. وبالتالي، فإن اعتراف الإسلام بهذا التنوع هو احترام للجميع. وخلص خبير من الإمارات العربية المتحدة إلى أن"هذا التنوع الذي نلاحظه هو حافز قوي للتنمية ونشر الخير وتنشيط المجتمع المدني".
من جهته، أشار أليكسي بيتروف، مستشار تنفيذ البرامج الخيرية لمؤسسة دعم الثقافة والعلوم والتعليم الإسلامية، إلى أنه للسنة الثانية على التوالي الصندوق، بالاشتراك مع المعهد الاسلامي الروسي لإدارة الدينية لمسلمي جمهورية تتارستان والرابطة العلمية والتعليمية اللاهوتية بتنفيذ ندوة لدعم التعليم اللاهوتي. اليوم لدينا بالفعل اتجاه ثالث في اللاهوت - اليهودي. أي الآن يتم تمثيل جميع الطوائف التقليدية الثلاثة عى نسق واحد. نرى كيف يتطور علم اللاهوت بنشاط في الواقع الحديث، مواكباً للعصر. يوجد بالفعل معيار لاهوتي تعليمي جديد. كما تولي المنظمات الدينية اهتماماً خاصاً بالتعليم اللاهوتي، معربة عن اهتمامها بالعملية التعليمية نفسها.
كما تم الحديث عن عرض دليل "الهوية المدنية لمسلمي روسيا"، والذي يخضع الآن لمناقشات عامة، حتى يتسنى للمرء أن يفهم إلى أي مدى يحتوي هذا العمل على جميع المعلومات الضرورية.
شارك في اعمال المؤتمر أيضاً عمداء وممثلون عن حوالي 40 جامعة في روسيا، منفذين اتجاه تدريب "علم اللاهوت"، بما في ذلك الجامعات الدينية الإسلامية. لذلك، من بين الخبراء عمداء ونواب عمداء الجامعات ومعلمو المؤسسات الإسلامية في داغستان والشيشان و الادارة الدينية المركزية لمسلمي روسيا والاكاديمية البولغارية الإسلامية، بالإضافة إلى عمداء وممثلي الجامعات العلمانية: الأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والخدمة المدنية التابعة لادراة رئيس روسيا الاتحاد ، جامعة ولاية بياتيغورسك، الجامعة الحكومية الروسية وجامعة موسكو التربوية الحكومية.
كما شارك في اعمال المؤتمر خالد اليبهوني - دكتور في الدراسات العربية والإسلامية، رئيس جامعة محمد بن زياد للعلوم الإنسانية (أبو ظبي - الإمارات العربية المتحدة) ومدرسين من الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية "نور مبارك"، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله (فاس المغرب)، وجامعة صباح الدين زيماء (اسطنبول ، تركيا).