Ru En

كيف تولد الإسلاموفوبيا: التغييرات الثقافية بعد الأزمة

٣٠ مايو ٢٠١٩

إن مشكلة الإسلاموفوبيا تمثل أهمية كبرى للعالم المعاصر، وهي تجذب إهتمام الباحثين، الذين يسعون لفهم طبيعة هذه الظاهرة. وإن أحدى هذه المحاولات المثيرة للإهتمام تنتمي إلى عالم الإجتماع الأمريكي كريستوفر بيل.

 

في شهر تموز – يوليو من عام 2010  كان أحد القساوسة في الكنائس الأصولية في فلوريدا ويدعى تيرري  جونس  الذي أعلن نيته وخطته لحرق مئتي نسخة من القرأن الكريم في الذكرى السنوية لأحداث 11 من شهر أيلول – سبتمبر. وعلى الرغم من أن القس لم يتمكن من تنفيذ مخططه، إلا أن جونس لاحقا تم ذكره من خلال أعمال إستفزازية أخرى، والتي أدت إلى إحتجاجات جماهيرية واسعة في مختلف البلدان، والتي ادت الى مقتل ما يقل عن 20 شخصا.

 

وفي كتاب "Terrified" للمؤلف  كريستوفر بيل الذي يظهر فيه كيف يؤمن هؤلاء المتعصبين بأمثال جونس، واللذين أدهشتهم تنامي الأسر المعادية للمنظمات الإسلامية، التي لها تأثير كبير على فهم الإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

من التعاطف إلى الكراهية

 

حيث يحلل المؤلف في كتابه النمو السريع والمتصاعد لتأثير المنظمات المعادية للجاليات الإسلامية بعد أحداث الـ 11 من شهر أيلول – سبتمبر من عام 2001 ميلادية. وبالعودة إلى موضوع الحدث، يمكن الإفتراض بأن الموقف السلبي تجاه المسلمين، ربما كان عملا إستفزازيا، بسبب أن الإرهابيين عرفوا عن هويتهم الدينية بأنهم مسلمين. ولكن بيل يشير إلى أنه بعد أحداث الـ 11 من شهر أيلول – سبتمبر كان الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية عن المسلمين إيجابيا. حيث كان الناس يفهمون بأن الدين في هذه الأحداث المأسوية إستخدم كغطاء، وإن المسلمين بعقيدتهم وقيمهم الإسلامية لا علاقة لهم بأفعال الإرهابيين.

 

كيف تولد الإسلاموفوبيا:  التغييرات الثقافية بعد الأزمة

كريستوفر بيل. الصورة لـ:  من الموقع الشخصي للباحث.

 

كما أن التغيير في مواقف الأمريكيين تجاه الإسلام مرتبط بتصرفات وأفعال منظمات اليمين المتطرف، الذين تمكنوا على مدى العقد الأخير من تعزيز وجودهم في الفضاء الإعلامي، ومن إقامة العلاقات في المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني.

 

ويأتي هذا التصريح الإستفزازي للباحث بعد إكتشاف آليات التطور الثقافي في أوقات الأزمات والتنمية الإجتماعية. حيث أن كريستوفر بيل يدفع بالأسس النظرية لعلماء الإجتماع في هذه المنظمات. كما وأن أحداث الـ 11 من شهر ايلول – سبتمبر من عام 2001 ميلادية كانت قد شكلت صدمة خارجية قوية، خلقت إمكانيات قصيرة المدى للمنظمات المهمشة لزيادة نفوذها وتأثيرها السياسي. حيث أن هذه الأزمة كانت قد دمرت الوضع الراهن، ونتيجة لذلك، فإن المجتمعات المختلفة تبحث عن إمكانية وفرص لتفسير الأحداث التي وقعت، وتغيير المفاهيم الشائعة حول الفئات الإجتماعية المدمرة (على سبيل المثال: الأمن، السلوك المتسامح).

 


كيف تعمل الثورة الثقافية؟

 

إن الحدث العلمي لكريستوفر بيل يكمن في أن المؤلف يضيف إليها جرعة من الفروق المنطقية والفوارق النظرية، والنظر في الأزمة على أنها محفز للمواجهة السياسية العرضية والمعقدة للعديد من منظمات المجتمع المدني، الذين يتنافسون على تشكيل فهم جديد، في هذه الحالة، عن الإسلام. وبحسب كريستوفر بيل، فإن اعضاء المنظمات الراديكالية يستطيعون التكيف أكثر بإستخدام الظروف السياسية، وبإشراك المهارات الإجتماعية والنفسية، والهيكلية والأليات الثقافية ويوضح كيف يحدث ذلك.

 

ومباشرة بعد الأزمة، ظهرت لوسائل الإعلام الشهية لتفسير الأحداث من قبل المنظمات المختلفة ، والرغبة في سماع "صوت المجتمع المدني". ولكن لهذه الوسائل الاعلامية القليل من الإمكانيات للوصول إلى طيف واسع من أراء الجمهور، ونتيجة ذلك هناك مشكلة في الإختيار. حيث أن بعض الأراء تصبح معروفة ومهيمنة. كما ان القائمين على الاعلام والمعلومات، بدورهم يعانون من الحاجة إلى "مشاهد" للأحداث العاطفية والدرامية. ونتيجة لذلك، فإن وسائل الإعلام تقترح إعطاءها الوقت الكافي من الفضاء الإعلامي وعلى صفحاتها الإلكترونية وعلى منصاتها الإعلامية للبث المباشر لتلك المنظمات، التي تطرح تفسيرات إستفزازية من جانب واحد وبالتالي، فإنه يجري التحول نحو المنظمات اليمينية المتطرفة المعادية للمسلمين، والتي إقترحت أفكارا وقد تكون تافهة ، ولكنها كانت عملية "نحن ضدهم".

 

إن المؤسسات البحثية السائدة، والمؤسسات الإجتماعية لا يمكنها "بيع" قدراتها الفكرية لوسائل الإعلام، كما أن المؤسات الهامشية تصبح جهات فاعلة وشرعية، ولا سيما أن القادة الماهرين والفنيين لمثل هذه الجمعيات يواصلون إستخدام ثمار هذه الشرعية، ويعملون على تشكيل شبكة من العلاقات مع من يشاركهم نفس الأفكار ، مما يساعد في الحصول على فائدة مالية معينة. حيث وأن هذه الموارد المالية تذهب، عادة لتأسيس بنية وسائل الإعلام التحتية المتعددة الوسائط – ولا أحد ألغى مهمة زيادة التأثير على العملية السياسية من خلال تشكيل الرأي العام. كما أن مثل هذه الإستراتيجية تؤدي إلى أن يصبح المهمشون لاعبين رئيسين في الساحة .

 

كيف تولد الإسلاموفوبيا:  التغييرات الثقافية بعد الأزمة

هذا الرجل يفنخر بكراهيته للإسلام (الإسلاموفوبيا). الصورة: من الويكيبيديا، creative commons

 

لماذ ا يعتبر هذا نظرة جديدة على المشكلة؟

 

تكمن الحداثة النظرية لأعمال كريستوفر بيل بأنها تكشف الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في عملية التغيير الثقافي التي تنتح في أعقاب كل الأزمة. حيث وأن الرأي التقليدي في هذه المسألة يكمن في نجاح مثل هذه اللحظات التي تمارسها هذه المؤسسات، التي التي تعترف بوجهة النظر السائدة في الرأي العام. كما وأن "رسائلهم" يكون لها صدى قوي يتردد والذي يمكن إعتباره شائعة بشكل عام. وهنا تلعب دورا هاما في هذا الأمر لامتلاكها مجموعة من الحلفاء والموارد. وبالتالي، فإنه في إطار هذا المنهج التقليدي للمؤسسة يتم النظر بها من قبل المستفيدين السلبيين، الذين يستخدمون الإمكانيات لكي يصنعوا أزمة أخرى: والفائزون هنا، أؤلئك الذين يتواجدون في المكان المناسب وفي الوقت المناسب ويمتلكون الرسالة الصحيحة.

 


كما أن نهج كريستوفر بيل يختلف إختلافا جوهريا عن التفسير المقترح. حيث يشير الى ان ان الفقراء يمكن ان ينتصروا في التأثير في الفضاء المعلوماتي بعد الأزمات انطلاقا من وجهة نظر الموارد المتاحة، وعدم قدرة المنظمات المهمشة ايضاح رسالتها. يكمن أساس هذا النصر في نشر الطرق الإجتماعية، والنفسية، والهيكلية، والثقافية. وفي نفس الوقت هذه المؤسسات تستكشف بنشاط حالة عدم الإستقرار الثقافي على خلفية الأزمة، من أجل نقل رسالتها إلى عامة الناس. والصحفيين وبصفة عامة وسائل الإعلام، يسعون إلى "جمع كل الطيف السياسي والاجتماعي "، والبحث عن أكثر الناس تحدثا.

 


وبالإضافة إلى الحداثة النظرية، فإن أعمال كريستوفر بيل مثيرة للإهتمام حتى من حيث اسلوبها المنهجي. أولا، فإن المؤلف جمع قاعدة كبيرة من البيانات،  من الصحف الرسمية ، والمقالات الأخبارية ، ونصوص البرامج التلفزيوني، والمقابلات  الصحفية، وكذا التعليقات  في Twitter, Facebook، ونصوص الهيئات التشريعية.
وثانيا، إن كريستوفر بيل يستخدم الطرق الأصلية. على سبيل المثال: هو يستخدم برنامج الإنتحال الأدبي لقياس تأثير بعض المؤسسات في الفضاء المعلوماتي. وبكل بساطة، فإن الباحث يقوم بقياس أي من النصوص التي تنشرها البيانات الصحفية المطبوعة من قبل مصادر أخرى – كانت وسائل إعلام، او مواقع رسمية حكومية. وكذلك التركيز بشكل منفصل على المكون العاطفي لتلك النصوص. وكل هذا يترافق مع معلومات غنية ومثيرة للإعجاب، والتي تسمح للقارئ بتتبع ديناميكيات التغييرات في المجال الثقافي.

 

الصورة في "الغطاء":  Erik McGregor/Pacific Press