ـ إعداد: علاء ساغه: كاتب أردني صديق لروسيا وعضو في رابطة القلميين الإلكترونية مُحبي بوتين وروسيا في العالم العربي.
ـ تدقيق ومراجعة" الاكاديمي مروان سوداح، مؤسس ورئيس "رابطة القلميين".
ـ مدخل :
هناك مقولة علمية تؤكد بأن الدول المتقدمة عسكرياً، إنما هي بالضرورة والواقع وبكل المقاييس الأخرى دولة متطورة تقنياً واقتصادياً، وبالتالي مزدهرة.
في جزء من دراسته العميقة في مصادر القوة، يكتب الدكتور خليل حسين أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية (2008)، أنها تلك التي تمثل الموارد المتنوعة التي يمكن أن توظِّفها الدولة على المدى الطويل لامتلاك قدرات معينة، أو تطويرها، وتُستخدم في عمليات التأثير، كالموقع الجغرافي المتميز، وعدد السكان، والموارد الاقتصادية، والقاعدة الصناعية، والإمكانات العلمية ـ التكنولوجية، والقِيم الثقافية وغيرها.
كل هذه المصادر، وغيرها، يمكن أن تستخدمها الدولة مباشرة في عملانية التأثير القصير المدى كالقوات المسلَّحة، والاحتياطيات النقدية، والأدوات الدبلوماسية، وأجهزة الاستخبارات. وتمثِّل هذه القدرات أدوات قوة الدولة.
حجم الفيدرالية الروسية وتأثيرها كبير ويصعب تصوره بسهولة، فهي بلاد تقع بمعظمها في شمال "أوراسيا" (أوروبا وآسيا)، وهي أكبر دولة على الإطلاق في الكرة الأرضية من حيث المساحة، إذ إنها تغطي كل شمال آسيا بدون أي استثناء، ومعظم أوروبا الشرقية.
تُعدُّ روسيا بكل كياناتها الحكومية المتحدة أكبر دولة مساحةً على وجه الكرة الأرضية، إذ يفوق مسطح مساحتها بفارق كبير جداً كندا، التي تشغل المرتبة الثانية عالمياً، كما أن روسيا تاسع أكبر دولة من حيث عدد السكان في الدنيا بأكثر من 150 مليون نسمة.
ـ حقائق :
في الأرقام، تغطي مساحة روسيا قبل اندلاع العملية العسكرية الخاصة مع أوكرانيا (بدايات 2022م)، نسبة 8/1 من مساحة الأرض المأهولة بالسكان في العالم بمساحة تبلغ 17,075,400 كيلومتر مربع، ما يساوي تقريباً 6,592,800 ميل مربع، لكن هذه المساحة لا تشتمل على مساحة جمهورية القرم، ولا على الجمهوريات التي انضمت لروسيا مؤخراً، ضمنها لوغانسك؛ دونيتسك؛ زد عليها مناطق خيرسون؛ زاباروجيه، والخ، وهي تُشكِّل خُمس مساحة أوكرانيا قبل اندلاع الحرب مع روسيا.
ـ الجغرافيا :
في الجغرافيا، يمتد السهل الأوروبي الواسع أو سهل نهر الفولغا من جبال الأورال الروسية وحتى الحدود الغربية مع أوروبا، والمناطق الوسطى والجنوبية في روسيا هي عبارة عن مناطق خصبة كبيرة، ومستنقعات، وسهل وغابات صخرية ضخمة، وتمتد الجبال وسلاسل الجبال في كلّ الأنحاء وتشكل لوحة فنية فريدة في جماليتها، حيثُ تتمدد ابتداءً من المناطق الرئيسية فيها حتى حدودها الجنوبية الغربيةـ والجنوبية الشرقيةـ والشرقية. لا يوجد صحراء في روسيا.
ـ الحضارة :
قد لا يعرف المتخصصون في شؤون وشجون روسيا العملاقة، وقائع هذا البلد العريق كونه دولة جد متطورة في كل الحقول دون استثناء، يعود تطورها المفصلي إلى عهد "القيصر بطرس الأول"، حين ازدهرت العلوم والتكنولوجيا في كل أرجائها منذ عصر التنوير. عندما أسس هذا القائد الفذ الأكاديمية الروسية للعلوم التي تعد الأرفع عالمياً وتفوق علومها واكتشافاتها وتطبيقاتها وجهودها وقائع الجامعات الغربية برمتها. في روسيا تزدهر ومنذ عهد سحيق جامعات ضخمة وعريقة كجامعة موسكو الحكومية (لومونوسوف) التي انشأها العلاّمة العظيم ميخائيل لومونوسوف الذي درسنت عنه في مناهجنا الدراسية الأردنية، وجامعة سانت بطرسبورغ (ليننينغراد سابقاً)، فكلتا الجامعتين مهّدتا سبيلاً قوياً وثابتاً للتعلُّم والابتكار.
أنجبت روسيا في تاريخها الطويل والعريق جيوشاً جرارة من العُلماء والمخترعين وما تزال تلدهم للآن، ويتم باستمرار توليد الاكتشافات والاختراعات الروسية في مجال الفيزياء. وبرز في روسيا وما زال يبرز يومياً عدداً كبيراً من العُلماء والباحثين الذين قدَّموا للبشرية الاختراعات والاكتشافات المذهلة، ولا مجال لتعددها هنا. لكن، من الأهمية بمكان أن نُشير إلى العديد من محركات البحث الدولي، ربما أشهرها غوغول، وبينغ التابع لمايكروسوفت، ومحرك بايدو الصيني، والرائد السابق ياهو، لكن، وألف لكن، هنالك منافساً آخر يُضاف للقائمة، وإن لم يَسمع به البعض من الناطقين بالعربية، وخارج بلده الأصلي روسيا.. إنه محرك البحث الروسي الشهير "ياندكس"!
ـ الابتكارات والاختراعات :
في مجال آخر يشهد على رفعة روسياً تكنولوجياً، ووفقاً لممثل "اليوم السابع" المصرية في موسكو، تم قبل عدة سنوات إطلاق أول خدمة سيارات أجرة بدون سائق فى روسيا، إذ يتم تشغيل أسطول سيارات الأجرة ذاتية القيادة بواسطة ياندكس، الذي يضم العديد من الخدمات نفسها التي توفرها غوغول، بما فى ذلك السيارات ذاتية القيادة، والتجارة الإلكترونية، ومساعد الذكاء الاصطناعي. بينما وبحسب موقع "ديلي ميل" البريطاني، أطلقت ياندكس مشروعها التجريبي لأسطول السيارات دون سائق في مدينة إنوبوليس الجديدة، التي يتم تطويرها لتصبح "مدينة التكنولوجيا العالية" فى جمهورية تتارستان الروسية. وفي العام المنصرم 2021، نشرت شركة "سبير أوتوتيك"، فيديو للنموذج الأولي لسيارة (فليب) ذاتية القيادة في موسكو، وهي (مستقبل سيارات الأجرة) وتوصيل طلبيات الطعام وتتسع لـِ 6 ركاب، وزودت بأنظمة كاميرات ومستشعرات ومرتبطة بتطبيق ذكي، وهي تعمل بمحرك كهربائي أو وقود بديل حسبما ذكرت قناة "روسيا اليوم" التلفازية.
سجلت روسيا في القرن الحالي العديد من براءات الاختراع المميزة، حَظي بعضها باهتمام كبير من الهيئات المحلية والعالمية لِما تقدمه من فائدة علمية وتطبيقية. وأشارت هيئة حماية براءات الاختراع الروسية إلى أنها أجرت في الفترة ما بين 29 أبريل و 1 يونيو من العام 2021م تصويتاً عبر الإنترنت لاختيار أفضل براءات الاختراع الروسية التي تم تسجيلها من قبل العلماء والجامعات والمختبرات ومراكز الأبحاث في البلاد، وشارك في التصويت أكثر من 17 ألف عالم وخبير ومبتَكِر ومتخصص في براءات الاختراع، واختاروا من بين 138 براءة 10 براءات لتكون هي الأفضل مِمَّا سجلته روسيا في الأعوام العشرين الماضية. وذهب لقب "أفضل براءة اختراع للقرن الحادي والعشرين في روسيا لشركة Sibur Holding التي طورت طريقة لزيادة تركيز ولزوجة البوليميرات.
وضمت قائمة أفضل براءات اختراع أيضا براءات لمؤسسة Rosatom الروسية والمركز النووي الفدرالي الروسي ومعهد أبحاث الفيزياء التجريبية لعموم روسيا، وذلك لتطوير اختراعات تتعلق بأشعة الليزر، فضلاً عن اختراعات لجامعة بشكيريا الحكومية تتعلق بتطوير منتجات بلاستيكية مصنوعة من بوليميرات قابلة لإعادة التحلل ويمكن إعادة تدويرها.
وشملت قائمة براءات الاختراع الطبية براءة اختراع لمصفوفة ثلاثية الأبعاد تستخدم في مجال الأدوية الطبية، طورها خبراء من جامعة "لومونوسوف" الحكومية الروسية، ولطرف اصطناعي يستخدم للصمام التاجي للقلب طوره المركز الوطني الروسي للبحوث الطبية لجراحة القلب والأوعية الدموية، وجهاز للتصوير المقطعي بالرنين المغناطيسي من تطوير شركة "غيلبيك" الروسية، وجهاز لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على المشي من تطوير شركة ExoAtlet، فضلاً عن اختراع يتعلق بتقنية اصطياد النيوترون بالبورون تستخدم لعلاج الأورام الخبيثة، طورها خبراء من معهد "بودكير" للفيزياء النووية وخبراء من مركزالأبحاث الدولي للتقنيات المبتكرة في روسيا.
وفي "مجال اختراعي" آخر، أعلنت السلطات الصحية الروسية في العام الماضي 2021، عن تسجيل 14 دواء لعلاج المصابين بفيروس كورونا، وأنها تضاف إلى 4 لقاحات محلية الصنع للوقاية من الفيروس تم تسجيلها في البلاد في وقت سابق. ووفقاً لوكالة الأنباء الرسمية الأردنية "بترا"، أعلنت السلطات الصحية الروسية، فعالية دواء "أفيفافير" محلي روسي الصنع لعلاج الإصابات بمتحوري "دلتا" و"أوميكرون"، مؤكدة فعاليته لعلاج سلالات فيروس كورونا جميعها. وقال رئيس مجموعة "خيمرار" الحكومية في بيان صحفي: إن "أفيفافير يُعالِج بشكل فعّال مختلف سلالات فيروس كورونا، بما فيها "دلتا" و"أوميكرون"، ويجعل الفيروس غير قادر على تكوين مقاومة، حتى مع تعرض الخلايا المصابة للعقار لفترة طويلة، وهو ما أثبتته الدراسات السريرية".
وأضاف البيان: إن الدراسات السريرية أظهرت قدرة الدواء على تخفيف الأعراض وتقليل مدة المرض إلى النصف، مقارنة بالعلاج التقليدي.
هذا غيض من فيض الاختراعات الروسية التي تؤكد علو كعب روسيا في هذا المجال، والتعريض بها واستعراضها يحتاج إلى مجدات كثيرة، فروسيا سبقت أمريكا كثيراً في ترجمة الفتوحات الفكرية إلى تطبيقات واقعية ومادية، وإنتاج الاختراعات وتفعيلها الواسع، فقد فُتح باب الاختراع في روسيا منذ بدء تأسيس الدولة الروسية، وما تزال الاختراعات متلاحقة، بينما أمريكا غاصت طويلاً في وحول وطين قتل الأجناس الأخرى، الصراعات الداخلية، والنزاعات والحروب الأهلية، على حساب استقرارها وتطورها... يتبع.