Ru En

أنقرة تلتفت من واشنطن إلى موسكو

١٩ يوليو ٢٠١٩

أعلنت روسيا على لسان رئيس شركة «روس تيخ» المصنعة للسلاح سيرجي تشيميزوف أنها مستعدة لتزويد تركيا بمقاتلات سوخوي 35 إن أرادت أنقرة ذلك.

 

يأتي ذلك على خلفية إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدم تصدير مقاتلات  F-35 إلى تركيا، وإيقافها عن العمل في برنامج تصنيع هذه المقاتلات الأمريكية.

 

القرار الأمريكي جاء ردا على إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية المتطورة إس - 400. كما قال الرئيس التركي إن الصفقة مع روسيا تعتبر من أهم الاتفاقات في تاريخ تركيا الحديث وأعرب عن أمله في أن تقوم الدولتان بالصناعة المشتركة للهذه المنظومات الصاروخية.

 

واعتبر الرئيس التركي القرار الأمريكي «سرقة»، اذ دفعت تركيا 1.4 مليار دولار مقابل هذه المقاتلات وحصلت سابقا على 4 طائرات.

 

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو كان قد نوه في أبريل نيسان الماضي إلى أن تركيا ستشتري مقاتلات من دولة أخرى إن رفضت الولايات المتحدة تزويد تركيا بهذه المقاتلات.

 

وتجدر الإشارة إلى أن القرار الأمريكي جاء في بيان للبيت الأبيض، ولم تستلم تركيا لحظة كتابة هذه المادة، أي وثيقة رسمية حول إبعاد تركيا من برنامج تصنيع المقاتلات، واقع يدفع بعض المراقبين للقول إن الخطوة الأمريكية ليست إلا محاولة لإنقاذ ماء الوجه في هذه الجولة الخاسرة، وإن واشنطن قد تتراجع عن كلامها. فتركيا التي كانت يوما من أهم حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، تبتعد شيئا فشيئا عنها، وتقترب بنفس الوتيرة من شريكتها الجديدة موسكو.

 

أنقرة تلتفت من واشنطن إلى موسكو

Public Domain

 

لا يخفى على أحد أن العلاقات التركية الأمريكية تشهد تدهورا في الآونة الأخيرة. ومع أنها تعتبر حليفا لواشنطن على الورق، إلا أن وتيرة الخلافات بين البلدين بتزايد مستمر.

 

من أبرز هذه الخلافات تبقى القضية الكردية. اذ دعمت واشنطن القوات الكردية خلال الحرب في سوريا، الأمر الذي كان يثير دائما حساسية في أنقرة، والتي كانت ترى القوة الأمريكية في المنطقة عاملا مزعزعا لاستقرارها. من جهة أخرى، تدرك أنقرة جيدا أن أي عملية عسكرية في الشمال السوري، لا يمكن أن تتم دون التنيسق مع روسيا.

 

ومع ازدياد الخلافات بين واشنطن وأنقرة، ظهرت الأخيرة  كقوة إقليمية لا تسعى لأي أطماع سوى ضمان مصالحها القومية، وبناء علاقات تعاون وشراكة مع باقي اللاعبين الإقليميين.

 

لا شك في أن العلاقات الروسية التركية المعاصرة، مازالت أضعف من العلاقات الأمريكية التركية، اذ لا يمكن إلا أن نأخذ بعين الاعتبار عشرات السنوات من المناورات المشتركة الأمريكية التركية تحت مظلة الناتو. في المقابل نشهد تحسنا ملحوظا في العلاقات الروسية التركية، ويتمثل فيما يلي: التنسيق العسكري والأمني التركي الروسي المشترك في سوريا، وازدياد حجم التبادل التجاري، بالإضافة إلى مشاريع الطاقة المشتركة كخط غاز السيل التركي، الذي يوصل الغاز الروسي إلى تركيا عبر البحر الأسود، كما يجعلها معبرا لهذا الغاز إلى أوروبا، أضف إلى ذلك محطة أوكويو للطاقة النووية والتي تبنى بمساعدة روسيا.

 

أنقرة تلتفت من واشنطن إلى موسكو

 Kremlin.Ru, Creative Commons BY 4.0 /  فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في مسجد موسكو الجامع

 

هذه وغيرها من المشاريع تساعد على تقوية العلاقات وتجاوز الخلافات السابقة على خلفية اتساع الهوة بين أنقرة وواشنطن.

 

عسكريا روسيا من أهم شركاء تركيا العسكريين في سوريا، اذ أصبح بمقدور أنقرة تنفيذ عمليات عسكرية في المناطق الحدودية ضد الأكراد، دون تهديد وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة عليها.

 

سياسيا، موسكو وأنقرة شريكان أساسيان في عملية أستانا والتي تشارك فيها طهران أيضا، هذه العملية السياسية باتت باعتراف المجتمع الدولي أساس الحل السياسي في سوريا. وتعتمد على مبادىء مشروع قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة 2254، والذي يؤكد على وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة عليها، وهذا يضمن لتركيا عدم ظهور أي كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية مع سوريا. في المقابل، يرى البعض تراجعا تركيا في دعم المجموعات المسلحة في إدلب.

 

أنقرة تلتفت من واشنطن إلى موسكو

Kremlin.Ru, Creative Commons BY 4.0 /  فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان

 

وأخيرا وليس آخرا نرى موقفا روسيا داعما لتركيا على الساحة الدبلوماسية الدولية. اذ انتقدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قرار مجلس الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية المتعلق بعمليات التنقيب التركية شرق المتوسط.

 

جاء ذلك بعد أن علق المجلس المفاوضات حول اتفاق النقل الجوي الشامل وقرر عدم عقد اجتماع المجلس المشترك أو أي اجتماع آخر بين تركيا والاتحاد الأوروبي في الفترة المقبلة.

 

وقالت المتحدثة باسم الخارجية خلال مؤتمر صحفي عقد يوم الأربعاء في موسكو إن العقوبات ليست «من أدوات الدبلوماسية»، ولا يمكنها أن تكون إحدى قواعد السياسة الدولية.

 

وأضافت «إن هذه (العقوبات) تؤدي إلى نتائج محزنة جدا، وإلى تآكل مبادىء القانون الدولي وسبل التواصل الحضارية».

 

أنقرة تلتفت من واشنطن إلى موسكو

  Håkan Henriksson, Creative Commons BY-SA 4.0 جامع تشامليجا

 

كما اعتبرت زاخاروفا إن الشعوب ترى في الحوار طريقا للوصول إلى حلول مقبولة، وفي نفس الوقت لا تقبل استخدام بعض الدول للقوة التي اكتسبتها خلال سنوات الاستعمار ضد دول أخرى.

 

وقالت «لذلك موقفنا سلبي للغاية من أي عقوبات لم تصدر عن مجلس الأمن في الأمم التحدة» وأضافت: «لا يمكننا تقبل مثل هذا الضغط الأحادي غير الشرعي العدواني، والسياسة التي تهدف إلى تحقيق مصالح جهة واحدة».

 

كل هذه الوقائع تشير حسب بعض المراقبين، إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفريقه يعولون على العلاقات الطيبة مع موسكو، ويعتبرون أنها تخدم المصالح القومية التركية سواء في سوريا أو في التعامل مع الموضوع الكردي، أو فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي وحتى العسكري.