ظريف: روسيا صديقة إيران في الأيام الصعبة
بدأت إيران اليوم الجمعة 6 أيلول/ سبتمبر، تنفيذ إعلانها بوقف جميع التزاماتها تجاه الاتفاق النووي "في مجال البحث والتطوير"، وذلك بناءً على توجيهات الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أكد لوسائل إعلام محلية أنه يجب على منظمة الطاقة الذرية القيام بما تحتاجه البلاد في مجال الأبحاث وتنمية التكنولوجيا النووية".
وأشار روحاني إلى أن إجراءات إيران ستكون "في إطار قوانين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهناك فرصة لمدة 60 يوما أمام الجانب الأوروبي ومتى ما التزموا بتعهداتهم فنحن سنعود إلى التزاماتنا بشان الاتفاق النووي".
وقبل تصريحات روحاني هذه، صدرت قبل أيام قليلة، مطلع الشهر الجاري، تصريحات الوزير لافروف اتهم فيها الولايات المتحدة وبعض حلفائها في الشرق الأوسط بمحاولة استفزاز إيران مشدداً على ضرورة حل المشاكل في الخليج وبين دول المنطقة عبر الحوار.
وقال لافروف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في العاصمة الروسية موسكو: "واشنطن التي أعلنت انسحابها من الاتفاق النووي، تطالب طهران بتنفيذ التزاماتها بحذافيرها"، بيد أن "هذا الاتفاق يمثل توازناً دقيقا للمصالح والتعهدات وحلول الوسط، ولا يمكن تجزئته، بحيث يكون تطبيق جزء منه ملزماً، والجزء الآخر ليس كذلك، فهذا أمر مرفوض تماما".
الرئيس روحاني خلال عرض الجيش الإيراني , CC BY 4.0, Tasnim News Agency
ورأى متابعون للملف النووي الإيراني بأن كلام الوزير لافروف يدل بوضوح على تقارب وجهات النظر بين الروس والإيرانيين بخصوص الوضع الحالي للاتفاق النووي الإيراني بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منه.
ما وراء زيارة الوزير ظريف إلى موسكو
أنهى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مؤخراً زيارة إلى العاصمة الروسية موسكو أجرى خلالها نقاشات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، حول العديد من الملفات المشتركة بين الدولتين.
وكان برفقة الوزير ظريف وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان. وكتب ظريف في تغريدة له على موقع "تويتر" أنه قام برفقة أردكانيان بعقد جولة من المباحثات في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف ووزير الطاقة الروسي ألكساندر نوفاك.
وتركزت المباحثات على العلاقات الثانئية والقضايا الإقليمية والأمن في الخليج العربي والتطورات الأخيرة حول الاتفاق النووي الإيراني.
وليس خافياً على أحد أن وزيري الطاقة نوفاك وأردكانيان بحثا في اجتماع لهما إقامة مشاريع استثمار مشتركة في مجال الطاقة والتعاون في أسواق النفط العالمية.
ويقول مراقبون للشأن الإيراني أن زيارة ظريف لموسكو تأتي بعد جولة أوروبية استهدفت حشد المزيد من الدعم الأوروبي لطهران في مواجهة العقوبات الأميركية، وإلى تعزيز ما تسميه الحكومة الإيرانية جبهة مقاومة "الضغوط القصوى" التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجرّ الجمهورية الإسلامية إلى تفاوض جديد حول ملفها النووي وبرنامجها الصاروخي، لكن تحت الضغط.
وأشار محللون إيرانيون أيضاً إلى أن زيارة ظريف جاءت في الوقت الذي تستمر فيه الجهود الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي ووسط بوادر مرونة أميركية مشروطة تجاه إيران بعد اقتراحات قدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وناقشها مع ترامب في لقاء منفرد على هامش قمة مجموعة السبع التي استضافتها فرنسا مؤخرا.
كما كشف الوزير الإيراني عن أنه لدى موسكو وطهران مشاريع مشتركة، منها الطروحات بخصوص ضمان أمن الدول الإقليمية، فضلاً عن المباحثات الجارية بين الطرفين حول إجراء مناورات عسكرية مشتركة في المحيط الهندي مع احتمال مشاركة بلدان أخرى فيها، وذلك بحسب ما أدلى به الوزير ظريف أمام جمع من الباحثين الروس في شؤون ايران.
قناعة مشتركة بأن الحروب والنزاعات لا تصب في مصلحة المنطقة
وأوضخ ظريف أن هذه المناورات بطبيعتها الشمولية "لن تكون على حساب أي بلد آخر وإنما ستقام في سياق تعزيز الأمن الجماعي". مؤكداً أن العلاقات بين إيران وروسيا هي الأفضل اليوم خلال الـ40 عاما الأخيرة"، مضيفا "السبب الرئيسي لهذه العلاقة هو إدراكنا نحن وروسيا والصين ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية".
ويعود الوزير ظريف للتأكيد على قوة العلاقة مع روسيا عندما قال فور وصوله إلى موسكو "إن روسيا هي صديقة إيران في الأيام الصعبة ونحن نتعامل مع أصدقاء كهؤلاء بطريقة مختلفة".
معتبراً أن طرح بلاده لحفظ أمن الخليج يشابه الطرح الروسي إلى حد ما، "وهو لحماية كل دول الخليج وليس لإيجاد توتر بين دول الخليج".
كما يرى خبراء أن الطرح الإيراني لحفظ أمن الخليج والتشابه الكبير مع الطرح الروسي بهذا الخصوص إنما يدل على التنسيق والفهم الاستراتيجي العميق المشترك للأوضاع في منطقة الخليج، والدور الذي تلعبه دول مثل روسيا وإيران في ضرورة الحفاظ على الأمن هناك والجهود والمباردرات المطروحة في هذا الإطار.
ظريف خارج وزارة الخارجية الإيرانية, CC BY 4.0, Tasnim News Agency
ويعتبر مهتمون أيضاً أن الجهود الروسية الإيرانية المشتركة لتحقيق مصالح المنطقة في الاستقرار والسلام والتنمية، إنما هي نابعة من قناعة قيادات البلدين في أن الحروب والنزاعات لا تصب في مصلحة أحد سوى بعض دول الغرب التي تدفع الأمور إلى عدم الاستقرار، وهو ما يطابق كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي أكد خلال لقاءه الوزير ظريف أن الأمريكيين يحاولون استفزاز إيران، ويعلنون أن خطة العمل الشاملة غير ملزمين بها، في حين أنهم يطالبون إيران بتنفيذ التزاماتها بالكامل.
وأضاف لافروف "لقد أعلن الأمريكيون أن خطة العمل الشاملة ليسوا ملتزمين بها، في حين أنهم يطالبون إيران بالتنفيذ الكامل لالتزاماتها وفقا للخطة لذلك أرغب في التذكير مرة أخرى بأن خطة العمل الشاملة تعد توازناً دقيقا للمصالح والالتزامات وحلول الوسط وغير قابلة للتجزئة".
رؤية مشتركة للأمن الجماعي
هذه التصريحات الروسية تتطابق بشكل واسع مع التصريحات الإيرانية الأمر الذي يدل على الرؤية الاستراتيجية المتشابهة عند الطرفين سواء فيما يتعلق بالمشاكل أو بالحلول لهذه المشاكل.
ويضيف الوزير لافروف، أن موسكو وطهران مهتمتان بضرورة اتفاق دول منطقة الخليج على طرق مقبولة من جميع الأطراف، لتحقيق استقرار الوضع في المنطقة.
وقال لافروف، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الإيراني: "نحن وإيران مهتمون بأن تتفق جميع الأطراف وجميع البلدان وجميع الدول الساحلية في منطقة الخليج وجميع شركائهم الدوليين على طرق مقبولة من جميع الأطراف، لضمان الأمن في هذه المنطقة المهمة من العالم، وهناك مبادرات إيرانية وروسية في هذا المجال، منفتحة ومفهومة، وسنعمل على تشجيع الاتفاقيات. والتي ستستند إلى مصالح جميع الأطراف المشاركة في هذه المنطقة".
لقاء روحاني مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في الصين ، 9 يونيو 2018, CC BY 4.0, Kremlin.ru
الأمن الجماعي هدف مشترك لموسكو وطهران
الجدير بالذكر أن روسيا عرضت على شركائها في الأمم المتحدة مؤخراً، مفهوما للأمن الجماعي في منطقة الخليج تقترح من خلاله إنشاء منظمة للأمن والتعاون في منطقة الخليج، تضم، بالإضافة إلى اللاعبين الإقليميين، روسيا والولايات المتحدة والهند والصين والاتحاد الأوروبي.
ومن بين التدابير المقترحة لتعزيز الأمن في المنطقة، التخلي عن النشر الدائم لمجموعات تنتمي إلى دول من خارج المنطقة، في دول الخليج، وإحداث مناطق منزوعة للسلاح، وإنشاء خطوط ساخنة، وتبادل المعلومات حول صفقات شراء الأسلحة وحول القوات المسلحة في المنطقة.
الأمر الذي يدل على أن التوجه الروسي يصب أيضاً ليس في سياق تحقيق الاستقرار وإنما مكافحة الأسباب المؤدية إلى الفوضى التي تحدث في تلك المناطق.
يمكن وصف زيارة ظريف الأخيرة إلى موسكو بالزيارة التنسيقية حول أهم القضايا التي تهم قيادة البلدين على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، وربما بدأ البلدان برسم خارطة قوة سياسية جديدة للمنطقة تأخذ بعين الاعتبار ضمان السيادة والاستقرار لكافة دول المنطقة. وستكون الأيام المقبلة كفيلة بإظهار نتائج التنسيق في ملفات البلدين المشتركة ومن بينها الملف السوري.