يحاول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن يشارك كل عام في منتدى «مساحة المعاني»، وهو منتدى شبابي تعليمي صيفي، يقام من العام 2015 بمبادرة من الهيئة الفدرالية لشؤون الشباب، ويشارك فيه شباب تتراوح أعمارهم من 18 وحتى 30 عاما. وبعد كلمة قصيرة يبدأ بها الوزير مشاركته بها عادة ينتقل للإجابة على أسئلة المشاركين من الشباب.
في كلته هذا قال الوزير لافروف: «إن لم نتعرف على المسائل التي تقلق مواطنينا، بما فيهم الشباب، فسوف نسير في سياستنا الخارجية بعيون مغمضة، بيد أن هدفنا الرئيس هو العمل على تحقيق مصالح بلادنا». وقبل أن ينتقل للإجابة على الأسئلة، تمكن من الإشارة إلى السياسات الأمريكية التي تخل بالنظام العالمي. وقال لافروف «نشهد مواجهة بين منظومة دولية جديدة تتبلور في ظل ظروف طبيعية، منظومة متعددة الأقطاب أكثر عدالة وأكثر ديمقراطية من جهة، ومجموعة صغيرة من جهة أخرى، بقيادة الولايات المتحدة تحاول منع ظهور هذه المنظومة العادلة، وتسعى بكل جهودها إلى ضمان الهيمنة في شتى مجالات العلاقات الدولية، العسكرية والسياسية والاقتصادية وفي مجال تأويل قوانين احترام حقوق الإنسان والتاريخ».
من الأسئلة الأولى التي طرحت على الوزير كان سؤال طالب من مقاطعة ساخالين الواقعة أقصى الشرق الروسي على حدود اليابان، كان سؤاله حول استراتيجية تسوية قضية جزر الكوريل. في إجابته ذكر الوزير التفاهمات التي توصل إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، والتي تمحورت حول تفعيل المفاوضات حول اتفاق السلام على أساس إعلان سنة 1956 والذي ينص على توقيع اتفاق السلام أولا، ومن ثم النظر لا في إعادة الجزر، وإنما في تسليم هاتين الجزيرتين على بحسن نية، وقال إن روسيا تنطلق من أن توقيع اتفاق السلام يجب أن يكون موجها إلى تأكيد ذلك الواقع الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، والاعتراف بنتائجها، وحسب هذه النتائج فإن الجزر الأربعة جنوب جزيرة ساخالين الروسية جزء من أراضي الاتحاد الروسي.
وأضاف: «لا أعتقد أننا أمام طريق مسدودة، ونحن نسترشد بتعليمات الرئيس التي تنتج عن مفاوضاته مع رئيس الوزراء الياباني. وهذه التعليمات توجهنا إلى الاستمرار في تطوير العلاقات مع اليابان في شتى المجالات».
بعدها تولت الأسئلة التي اعتاد عليها الوزير، حول منطقة الدونباس مثلا، والتي مازالت روسيا تقدم لها المساعدات الانسانية، كما سُئِل عن ممارسات دول أخرى كالمسؤولية الجنائية على من يلقي النفايات في الشارع كما هو معمول به في سينغافورة، واستبعد الوزير أن ينجح ذلك في روسيا.
ولكن الأهم هو إشارة الوزير اثناء الجلسة إلى أن مواقف غالبية الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة متطابقة مع مواقف روسيا، ولذلك الحديث عن نتيجة من سياسة واشنطن أو بروكسل عن مايسمى بعزل روسيا، فهذا حسب رأي ليس حديثا جادا في الوضع الراهن.
ثم قامت طالبة تدرس العلاقات الدولية واستغلت الفرصة لتطلب من الوزير السماح في التدرب بوزارة الخارجية، ولكنها قبل ذلك وجهت له سؤالا قالت فيه: أصدف كثيرا مقالات تتحدث عن عزلة «مكتوبة» لروسيا، يُكتب فيها عن أن نفوذ روسيا لا يسمح لها بأن يكون لها أصدقاء، بل سيكون لها منافسين دائما، هل تعتقدون بأن وجهة النظر هذه قريبة للحقيقة، وهل الصداقة أصلا موجودة في السياسة الدولية؟
فأجابها الوزير: «عن أي عزلة تتحدثون؟، انظروا إلى عدد الضيوف الذين يزوروننا، فعلى مستوى الخارجية وحدها زارنا نحو خمسين وزيرا العام الأخير ناهيك عن نواب الوزراء» واستدرج في الحديث عن زياراته «وأنا دائما خارج البلاد، ولا أطلب الزيارة بل توجه لي الدعوات» وذكر في هذا السياق بأنه سيلتقي في موسكو قريبا بوزير خارجية ألمانيا هايكو ماس.
وأكد الوزير لافروف إلى أن روسيا تسعى إلى الاكتفاء الذاتي وإلى الحفاظ على مصالحها وفي نفس الوقت إلى إيجاد الحلول الوسط، واستند إلى خطاب الرئيس بوتن في ميونخ سنة 2007. « لن يكون بإمكاننا العمل مع الغرب وفق الشروط التي حاول أن يفرضها علينا، حيث يكون لنا دور التابع. عَرَضَ الرئيس على الجميع التعاون الديمقراطي الصادق على أساس المساواة في الحقوق، وعدم استعداد الغرب الاستجابة لهذا العرض يبقى السبب الرئيس في ما نراه يحصل بيننا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهم من الدول الغربية».
الصورة: وزارة خارجية روسيا