ينظر العديد من المحللين إلى الأحداث المضطربة في الشرق الأوسط بأنها شهادة ولادة لنظام عالمي جديد. وفي بعض المنتديات المرموقة المتعلقة بالشرق الأوسط تشير إلى ذلك. ونظرا لأن أي طفل بولد بألم ومعاناة الولادة، فإنه يبدو أن كل مأسي المنطقة يتم تفسيرها بسهولة على هذا الأساس. هل هذا صحيح؟ إقرؤوا في مواد فيتالي ناؤومكين، الأكاديمي في الأكاديمية الروسية للعلوم، المدير العلمي لمعهد الدراسات الشرقية في في الأكاديمية الروسية للعلوم، الدورة الخاصة "روسيا في الشرق الأوسط اليوم وغدا" إجتماع نادي "فالداي" السنوي الخامس عشر.
في الواقع، بعض مكاتب النظام الجديد، إذا إنتقلنا من حقيقة أنه كان علينا أن نودع النظام القديم، فهي مرئية بوضوح. هذه عودة حادة لدور القوى الإقليمية، والذي يتوافق مع العالم المتعدد المراكز، لا أحد يستخدم القوة غير المصرح بها من قبل الجهات الفاعلة العالمية والإقليمية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، وعقوبات الجزاء، ونسيان قواعد القانون الدولي، والخروج إلى مقدمة الجهات غير الحكومية، والتي تحارب على السلطة والموارد، ومن خلالها توجد أفكار لإعادة رسم الحدود، وأزمة الهوية، والمؤسسات الدولية، وكذلك نموذج الدولة القومية نفسها، وإستخدام الدين لأهداف سياسية، بما في ذلك لتبرير الإرهاب، والهجرة الجماعية وغيرها الكثير.
إذا كانت العولمة في ظل النظام القديم ترى إتجاها عاما يمكن أ يتسفيد منه جميع أعضاء المجتمع الدولي، ثم عندما يظهر واحدة جديدة لإغنها جوانبها السلبية تكون واضحة للعيان. وعلاوة على ذلك، فإن أصبح الميل إلى الحد منها أقوى. كما أن حرية التجارة الدولية تعيق منع إتخاذ التدابير لحرية حركة رؤوس الأموال والتكنولوجيا – وهي العقوبات المفروضة على الأعداء والمنافسين، وحرية حركة الأشخاص - وجميع هذه العقوبات وقوانين مكافحة الهجرة، وحرية تبادل المعلومات والإنجازات الثقافية – وحظر التمييز ونظام "القائمة السوداء"، والتلاعب في الشبكات الإجتماعية ووسائل الإعلام في أعقاب الحروب الهجينة إلخ...
أين أنتم، كل النظريات الجميلة عن العالم الطيب والعادل، الذي تأسس على رفض العنف بشكل عام، وإدارة المجتمع الدولي من خلال مجموعة من الدول أو الأمم، وإنتصار القانون الدولي، والأدوار الرائدة للمؤسسات الدولية في حل المشاكل الملحة للبشرية، وإحترام سيادة جميع الدول، وحقوقهم المتساوية وحقوق الشعوب في تقرير مصريها؟
إن عناصر الواقع الجديد والفعلي في الشرق الأوسط والذي اصبح على وجه التحديد متشابها كساحة إختبار لإختبار جميع أنواع التقنيات في تغيير الأنظمة، ومعاقبة الحكومات غير المرغوب بها، وغرس بعض القيم العالمية المفترضة، وهيمنة ومزاحمة المنافسين، إنما تؤدي ليس فقط إلى النظام، بل إلى الفوضى.
كما أن علامات الإضطرابات والفوضى لا يمكن إلا أن تزعج. في بعض الدول تسيطر الحكومة فقط على أراضيها، وفي الحالات الأخرى، تكون السلطة بإيدي الشركات المتعددة الجنسيات، سلطات قوى الإحتلال أو الجماعات الإجرامية أو حتى المنظمات الإرهابية، في العنصر الثالث تدور هناك إشتباكات قتال عنيف، والتي تدمر ما أنشأته أجيال عديدة للقيم والبنية التحتية.
"الأخطاء، التي رسمت خارطة المنطقة، من الصعب التغلب عليها،
الصراعات المسلحة مع إستخدام العنف تزيد من إنقسام الناس".
تمنع المصالحة المأسي الإجتماعية والسياسية – والتي هي فجوة كبيرة بين الفقراء والأثرياء، والعاطلين عن العمل، والمرضى، عدم إمكانية الوصول إلى المياه الصحية الصالحة للشرب لقطاع كبير من السكان إلخ...
ولمعالجة هذا الوضع، من الضروري النظر بعناية فائقة إلى الحصول على الإجماع العام للنخبة وإعادة تهيئة النظام الاقليمي للدول، وربما تعديل قواعد اللعبة.
إن منطقة الشرق الأوسط تتمتع بموارد طبيعية غير محدودة (وهي تكفي الجميع)، وسكانها موهوبون، ويوجد فيها تقاليد غنية، والتي تطورت على مر القرون من قبل الحضارات التي تغيرت وتعاقبت عليها. ولكن أية "إصلاحات صحية" يجب أن تأخذ بالإعتبار جانبا واحدا مهما من العملية المستمرة لتشكيل النظام العالمي الجديد (إذا كان هذا النظام سيتم إنشاءه بنجاح). سيكون جوهره في تفكيك مراكز القوة في العالم. وبمعنى أخر، تقليل إمكانية هيمنة المراكز العالمية على المناطق وإستعادة ثقل العديد من اللاعبين الإقليميين، ولكل منهم أجندته الخاصة به، والتي سوف تسعى وتملى على نحو متزايد إرادتها على اللاعبين الأضعف منها وإنشاء منطقة نفوذ خاصة بها. كما أن خبرة الشرق الأوسط هي أمثلة مقنعة، وتثبت صحة هذا الإستنتاج.
من مواد ru.valdai.com